احتاجت الفتاة الإثيوبية "مرهاويت" للركض مسافة تقدر بـ٣٠٠ كم للنجاة من الاغتصاب والاعتداء الجنسي الذي ينتظرها إذا بقيت في إقليم التيجراي الواقع شمال إثيوبيا، وقطعت مرهاويت المنتمية لعرقية التيجراي، كل هذه المسافة بلا طعام أو شراب، ويتملكها الرعب ويملؤها الخوف من قُطاع الطرق والجيش الإثيوبي الذي يشن تطهيرا عرقيا ضد أبناء إقليمها منذ نوفمبر الماضي، وأضيف إلى أثقال "مرهاويت" أختها الرضيعة التي حملتها على كتفيها ملفوفة بقطعة قماش وسط الأدغال الواصلة إلى الحدود السودانية، والتي يتناثر عليها جثث القتلى وضحايا الحرب كما تتناثر أوراق الشجر في خريف قارس.
هذا هو حال الفتيات في دولة آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي، الذي نال جائزة نوبل للسلام قبل عامين، وترقد بلاده على بركان بعدما انتشر القتل والدمار في ربوع إثيوبيا، حيث ارتكب جرائم تطهير عرقي في التيجراي واغتصاب وعنف جنسي وفقا لبيانات المنظمات الدولية، إلى جانب استمرار العنف بين العرقيات المختلفة في مناطق متفرقة من البلاد.
قصة "مرهاويت" رواها جيمس إيلدر المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف"، الذي يشغل منصب رئيس قسم الاتصالات الإقليمية للمنظمة في العاصمة الكينية نيروبي، عبر حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر" مرفقة بصورة مرهاويت التي ظهرت وهي تحمل شقيقتها ملفوفة بقطعة قماش والرعب والخوف يمتزجان في عينيها، وسمرة بشرتها.
إلى جانب اشتعال الداخل الإثيوبي فإن المحيط الإقليمي ليس أفضل حالا، حيث ازدادت حدة التوتر بين أديس أبابا والخرطوم بسبب أزمة سد النهضة الذي شيدته إثيوبيا على النيل الأزرق ويهدد شعبي مصر والسودان بالعطش، إلى جانب إصرار السودان على استعادة إقليم الفشقة الذي تحتله إثيوبيا منذ أكثر من ربع قرن، ناهيك عن الأزمة في إريتريا التي شاركت في العدوان العسكري على إقليم التيجراي، بالإضافة إلى التوتر في الصومال.
آبي أحمد "رجل أفريقيا المريض"
وفي هذا السياق، قال الدكتور ناصر مأمون عيسى، مستشار الشئون الأفريقية في مركز "رع" للدراسات الاستراتيجية، إن آبي أحمد أصبح "رجل أفريقيا المريض" على غرار "رجل أوروبا المريض" وهو المصطلح الذي أطلق على الدولة العثمانية قبل أن تتفكك في الربع الأول من القرن الماضي، حيث كانت تعاني قبل انفراط عقدها وهو نفس ما يعانيه نظام آبي أحمد.
وأضاف "عيسى" في تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز" أن منظمات حقوق الإنسان الدولية تقف ضد نظام آبي أحمد بسبب الانتهاكات التي يمارسها ضد الشعب الإثيوبي، وهو ما يضع بلاده على شفا حفرة من الانهيار بسبب سياسات "رجل أفريقيا المريض" الذي سيحول بلاده إلى دويلات متناحرة.
وأشار إلى أن جميع الموظفين المنتمين إلى عرقية التيجراي يمارس نظام آبي أحمد ضدهم إجراءات تعسفية عبر فصلهم من وظائفهم والزج بهم إلى غياهب السجون إلى جانب أن عرقية الأورومو الذين يستهدفون الجيش الإثيوبي ويطلقون عليه "جيش العدو" وهو ما يؤشر إلى أن إثيوبيا ستصبح مجموعة من الشعوب المنفصلة يجمعها اتحاد "هش".
مآسي التيجراي
وتجسد قصة مرهاويت الكارثة المروعة التي يشهدها إقليم التيجراي منذ أكثر من ستة أشهر، حيث لجأ أكثر من ٦٣ ألف شخص إلى ولاية القضارف السودانية هربا من القتل والدمار والانتهاكات الجنسية، وكشف الأب ماتياس رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية عن تلك المأساة خلال مقطع فيديو نشره السبت الماضي استنكر فيه انتهاكات نظام آبي أحمد التي وصفها بـ"الأفعال بالغة الوحشية والقسوة".
وقال ماتياس إن حكام إثيوبيا يريدون "محو شعب تيجراي"، وحث رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية قادة العالم على التدخل ووقف العنف، قائلا: "على حكومات العالم أن تفعل شيئا".
وقام دينيس وادلي، مدير مؤسسة Bridges of Hope International الخيرية، بتصوير مقطع فيديو الأب ماتياس، وقال إن البطريرك يخضع للإقامة الجبرية غير الرسمية، وأضاف مدير المؤسسة الخيرية إنه وزوجته كانا في البلاد يعتنين باللاجئين والنازحين داخليًا في ذلك الوقت، وكشف ماتياس عن تفاصيل مروعة عن انتهاكات نظام آبي أحمد في إقليم التيجراي قائلا: "ما يحدث هو مذابح للناس لا سيما قتل الأبرياء، والشباب يتم تفتيشهم في المدن والقرى، ثم يتم قتلهم ورميهم من على المنحدرات، ولا يسمح حتى بدفنهم".
وتابع ماتياس: "هذا النوع من الفظائع لم يسبق له مثيل حتى الآن، وهو أمر مسيء للغاية، ولا سيما اغتصاب النساء، لا يخافون الله ولا أي احترام لكرامة الإنسان".
وفي السادس من مايو الجاري أعلنت الأمم المتحدة تقديم ٦٥ مليون دولار أمريكي كمساعدات إنسانية لإثيوبيا، لإغاثة يحتاج أكثر من ١٦ مليون شخص في جميع أنحاء البلاد، منهم ٤.٥ مليون في منطقة تيجراي.
وقال منسق الشئون الإنسانية بالأمم المتحدة، مارك لوكوك، "إن حياة الإثيوبيين وسبل عيشهم تتدمر بسبب الجفاف، ويعاني الأطفال من سوء التغذية، وبعد مضي ستة أشهر على الصراع في تيجراي، لا يزال المدنيون يتحملون العبء الأكبر، وتُستهدف النساء والفتيات بالعنف الجنسي المروع، ويكافح الملايين من أجل الحصول على الخدمات الأساسية والغذاء.
غضب الشعب الإثيوبي
وفي أواخر أبريل المنصرم خرج مئات الآلاف في منطقة شمال غرب إثيوبيا من عرقية الأمهرة في تظاهرات مناوئة لحكم آبي أحمد، بسبب عمليات التهجير التي قامت بها السلطات ضد عرقية الأمهرة، لينقلب السحر على الساحر حيث كانت عرقية الأمهرة هي أبرز الداعمين لرئيس الوزراء الإثيوبي في حملته العسكرية على إقليم التيجراي، وقام المتظاهرون بتمزيق صور آبي أحمد، ولافتات حزبية كبيرة معلقة في المدن الأمهرية.
وتقدم أكثر ١١٩ جنديا إثيوبيا كانوا ضمن العاملين بقوات البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي "يوناميد" بدارفور السودان بطلبات لجوء لدى معتمدية اللاجئين في السودن، أكدوا فيها عدم رغبتهم في العودة لاثيوبيا بسبب ما أسموه ظروفًا خاصة ومخاوف أمنية تعوق دون عودتهم لهناك. وفي نوفمبر الماضي رفض بعض الجنود الاثيوبيين العاملين في جنوب السودان والمنتمين إلى التيجراي العودة لإثيوبيا وطلبوا اللجوء السياسي هناك.
الميليشيات المسلحة
وفي ولاية بني شنقول التي أنشئ فيها سد النهضة، خرجت الأمور عن سيطرة السلطات وأكدت اللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان في أبريل الماضي إن جماعة مسلحة سيطرت على مقاطعة في شمال شرق إثيوبيا، وإن تقارير وردت عن ارتكابها أعمال قتل بحق مدنيين وخطف موظفين عموميين.
وأضافت اللجنة "الحكومية" أنها تلقت تقارير عن أن مقاطعة سيدال في منطقة كماشي بإقليم بني شنقول قمز "تحت سيطرة شبه تامة لجماعة مسلحة منذ ١٩ أبريل". ولم تذكر اللجنة الجماعة التي تعنيها. وقالت إن المقاطعة يقطنها نحو ٢٥ ألفا.
وتفجر العنف العرقي في إقليم بني شنقول قمز في الشهور القليلة الماضية، وشمل ذلك هجوما في ديسمبر قتل فيه أكثر من ٢٠٠ مدني. وتسكن المنطقة جماعات عرقية مختلفة، منها قمز وأمهرة، وشهدت تزايدا في الهجمات الانتقامية الدامية على المدنيين.
تفكك إثيوبيا
لا تأتي النتائج فجأة بينما هناك مقدمات قد سردت فيما سبق من سطور، والتوقعات تشير إلي أن إثيوبيا ينتظرها مصير يغلفه الغموض في ظل حكم آبي أحمد الذي يقود البلاد من ٣ سنوات.
وفي هذا السياق يقول الدكتور هاني رسلان، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتجية، إن إثيوبيا تعيش حالة من حالات الحرب الأهلية بسبب أفعال آبي أحمد، إلى جانب التركيبة الداخلية غير المستقرة للكيان الإثيوبي، وهو ما يدعو آبي أحمد لاستخدام الأزمات الخارجية مثل أرض الفشقة وسد النهضة كمحاولة لشغل الشعب الإثيوبي عن أزماته الداخلية؛ بأن هناك عدوا خارجيا لا بد من الالتفات له.
وأضاف رسلان، في تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز" أن عوامل التفكك في الكيان الإثيوبي زادت كثيرا بعد تولي آبي أحمد سدة الحكم في أديس أبابا نتيجة للتصرفات الحمقاء التي ينتهجها طوال الوقت خاصة والورطة التي وضع نفسه فيها بغزو إقليم التيجراي وشن حرب إبادة جماعية بالاشتراك مع إريتريا، مشيرا إلى أن أزمة التيجراي أصبحت عصية على الحل بسبب الضغوط الدولية الكبيرة ضد النظام الإثيوبي إلى جانب أن قوات الأمهرة ليست خاضعة للسلطة الفيدرالية بالشكل الكافي.