ناقشت كلية بيت لحم للكتاب المقدس كتاب "أرض الميعاد، قراءة لاهوتية ضمن السياق الفلسطيني" للقس الدكتور منذر إسحاق العميد الأكاديمي في الكلية، بحضور مطران الكنيسة الإنجيلية اللوثرية سني إبراهيم، ورئيس الكلية القس الدكتور جاك سارة وعدد من الحضور.
قال الدكتور القس منذر إسحاق العميد الأكاديمي لكلية بيت لحم، أشكركم في البداية لمجيئكم إلى هذا الحفل المتواضع، وأود أن أرسل تحية إلى أهلنا الصامدين في القدس الذي يقاومون بأجسادهم جبروت وظلم وعنصرية الدولة الصهيونية. نصلي من أجل السلام والعدل في القدس مدينة السلام.
وأضاف "إسحاق" خلال كلمة الشكر التي قامت بنشرها الصفحة الرسمية لكلية بيت لحم منذ قليل، أود أيضًا أن أتقدم بالشكر لكلية بيت لحم للكتاب المقدس، ولمؤسسة لانجهام، للبطريرك ميشيل صبّاح
وتابع " إسحاق ": لا أبالغ أبدًا إذا قلت أنّ هذا الكتاب هو نتاج 25 عامًا من الدراسة والتحليل في موضوع شعب الله وأرض الله. كان اهتمامي بهذا الموضوع طبيعيًّا كفلسطينيّ يعيش في هذه الأرض. هل أعطى الله أرضنا لعدونا؟ سؤال راودني منذ طفولتي كمسيحيّ فلسطيني اعتاد قراءة الكتاب المقدس. أذكر أني كنت أقرأ الكتاب المقدس كشابٍ صغيرٍ خلال الانتفاضة الأولى لأجد نفسي أمام مشاعر متناقضة. فمن ناحيةٍ، هذا كتابتنا المقدس، والذي تعرفت من خلاله على إيمانيّ المسيحي. ومن ناحية أخرى كنت أجد في صفحات العهد القديم وعودًا لإسرائيل بأرضي ووطني. خلق هذا التناقض لديّ رغبة كبيرة في دراسة أعمق للكتاب المقدس بعهديه، بحثًا عن إجاباتٍ لأسئلة متعددة حول طبيعة الله وأرض الميعاد وشعب الله المختار.
وأستطرد "إسحاق "، من الناحية الإيمانيّة، فقد نشأت في بيئة مسيحية محافظة تعطي قدرًا كبيرًا جدًا من الاحترام لقضيّة الوحي المقدّس. أثرت فيّ هذه التنشئة إذ زرعت فيّ حبًّا للكتاب المقدس من ناحية، وإصرارًا على تبرئته من الصهيونية من ناحية أخرى. ولا أخفي عليكم أني كنت أنزعج بشكلٍ متساوٍ من أمرين: الأول استغلال الكتاب المقدس من الصهاينة، يهودًا ومسيحيين، لأغراض سياسيّة وتبرير الاحتلال، والثاني أيّ ردُّ فعلٍ من أي فلسطيني يكون جوابه الطعنُ في مصداقيّة الوحي أو تاريخية أحداث العهد القديم. فلم أقبل مثلًا أن يقول أحدهم بأن العهد القديم هو خرافات أو أساطير اخترعها اليهود. كان همّي الدفاع عن الكتاب المقدس وتبرئته.
وأشار "إسحاق " إلى ان هذا الكتاب كتب من مُنطلق إيمانيّ، يحترم الوحي المقدس ويقبلُ الكتاب المقدس بعهديه. التحدي الذي وضعته أمامي كان أن أبقى ضمن حدود الإيمان المحافظ، أو كلمة الله، ولكن أن أظهر أن المعنى الحقيقي لها لا يمكن أن يقبل بالقتل والموت اليوم.
وتابع "إسحاق": أنا أومن أن القضية إذًا هي قضية تفسير. همّي في هذا الكتاب لاهوتيّ؛ كيف نفسّر؟! إن هذا الكتاب هو دراسة لاهوتيّة كتابية لمفهوم أرض الميعاد، ومجال بحثه هو اللاهوت الكتابيّ. وبالتالي فإن الكتاب لا يتعرض إلى القضايا التاريخية أو علم الآثار، ليس لأنها ليست ذات أهمية، بل لأن مجال هذه الدراسة هو اللاهوت. فمثلًا، لن نتطرّق إلى موضوع تاريخية الخروج ودخول أرض الميعاد والحروب وتقسيم الأرض، أو دقة السرد التاريخي للأحداث المتعلقة بأرض الميعاد ومملكة إسرائيل في العهد القديم. هذا الكتاب هو دراسة لاهوتية للمعنى الديني للأرض في الكتاب المقدس ولأهمية أرض الميعاد كمفهومٍ لاهوتيّ في الإيمان الكتابيّ.
وأضاف "إسحاق"، بان هناك اليوم الكثير من الجدل حول الأمور التاريخية والمتعلقة بعلم الآثار والمرتبطة بالكتاب المقدس وخاصة العهد القديم. وهناك الكثير من النظريات والمدارس الفكرية حول الموضوع. وهناك اليوم من يرفض تاريخية العهد القديم، ربما من منطلق رفضهم للصهيونية. أكتفي هنا بالإشارة إلى أن سكنى أي شعب في أرض ما لا يمنحهم بعد آلآف السنين حقًا سياسيًّا في الأرض. شعوب الأرض كلها اختلفت وتوالت في بقاع الأرض، والأرض اليوم لمن ظلّ يسكنها وورث جميع أهلها السابقين. وعندما ينشأ خلاف اليوم فالقانون الدولي هو الحكم، وليست الكتب المقدسة. كذلك الأمر فيما يختص بالشعب اليهودي وسكناه في هذه الأرض قبل ثلاثة آلاف سنة، فحتى تاريخية مملكة إسرائيل لا تعني أن لليهود حقًّا تاريخيًّا في الأرض. حسب شهادة الكتاب المقدس نفسه، سكن فلسطين العديد من الشعوب والعائلات. تاريخ فلسطين عبر آلاف السنين كان دائمًا يتصف بالتنوّع والتعدديّة. ولا يجوز أن نقبل إقصاء أي جزء من هذا التاريخ على حساب آخر. مشكلتنا مع الصهيونية هي العنصرية وتهويد التاريخ على حساب كلّ شيء آخر. والجواب على الصهيونية ليس بإقصاء الجزئية اليهودية من تاريخ فلسطين، بل الإصرار على أن اليهودية هي أحد المكونات العديدة لهوية هذه الأرض عبر التاريخ. هي ليست الوحيدة، وهي قطعًا ليست المكوّن الأهم أو الأبرز من الناحية التاريخية
وكشف الدكتور القس منذر إسحاق، بان الكتاب هو لكلّ مسيحيّ فلسطينيّ وعربيّ يبحث عن إجابات كتابيّة تتحدى الفكر الصهيوني. هو جولة في صفحات الكتاب المقدس، نتيجة سنين من البحث والتحليل في اللغات الأصلية. أتمنى أن يقود هذا الكتاب إلى اكتشاف جواهر دفينة في الكتاب المقدس وإعادة الثقة في لاهوته. وبصراحة، المكتبة الفلسطينية تفتقر إلى كتب ضمن مجال الدراسات الكتابية. وهنا أهمية الكتاب.
وتابع "إسحاق ": هو أيضًا لكلّ من يبحث عن إجابات للمسيحية الصهيونية الغربية. لا يخفى علينا أن الكثير من الصهاينة المسيحيين هم من الغرب والتي تعتمد منهجًا محافظًا في التفسير ومفهوم الوحي؛ هذا الكتاب يعطي الأدوات والتفاسير التي تجيب على حججهم، من منظورٍ إيمانيّ يعتمد منهجيّة علميّة أكاديمية. أذكر عندما درست الدكتوراة، وكانت عن أرض الميعاد، في بدايات الدراسة ناقشت مع مرشدي بيتر ووكر أستاذ العهد الجديد حينها في جامعة أوكسفورد عنوان ومنهجية الأطروحة. كانت رغبتي أن أكتب عن قراءة فلسطينية لمفهوم أرض الميعاد. رغم أنه دعمني، لكن نصيحته لي كانت أن أقدم نفسي كباحث للكتاب المقدس أولًا. وأن أقدم دراسة كتابية لأرض الميعاد؛ وبعد التخرج قال لي أكتب ما تريد، ولكن بعد أن تكون قد اكتسبت سمعة كباحث للكتاب المقدس – وهو ما فعلت. وبالتالي، الإجابات في هذا الكتاب هي من منظور أكاديمي ومن مدارس تفسيرية مسيحية ملتزمة.
وأضاف الدكتور القس منذر إسحاق، بان إطلاق هذا الكتاب يتزامن مع ما يحصل في القدس من اعتداء وتهويد. ما يحصل في القدس هو تطهير عرقي. وما يحدث في الحرم الشريف يؤكد أهمية لاهوت سليم يواجه الفكر الصهيوني وأي فكر إقصائي آخر باسم الدين. هناك فصلين في الكتاب عن موضوع صهيون والقدس في الكتاب المقدس.
لمتابعة الث المباشر : اضغط هنا