ذكر موقع بطركية أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، قصة دير القديس جاورجيوس البطريركي في صيدنايا انه عند المدخل الجنوبيّ لصيدنايا وعلى تلّة مقابلة لدير السيّدة العذراء يرتفع هذا الدير القديم على ألف ومائتي متر عند سطح البحر. وإذا وقفتَ على شرفة دير القدّيس جاورجيوس يمكنك رؤية بلدة صيدنايا بكاملها.
وفي العام 1985، شهد دير القدّيس جاورجيوس حركة إحياء، إذ أُلحق بدير سيّدة صيدنايا وجُدّدت أقسامه القديمة. وفي العام 1995، عُيّن الأرشمندريت يوحنا التلّي رئيسًا فعمل على توسيعه بكلّ عزم وإيمان. فاستصلحت الأراضي المحيطة بالدير، وبالإضافة إلى التين والعنب والسرو زُرعت مؤخّرًا مائتا شجرة زيتون.
تأسّست بوادر الرهبنة في الدير، في العام 1995 وتثبّت النظام الرهبانيّ فيه بشكل نهائيّ في العام 1999. بالإضافة إلى الرئيس، يقيم في هذا الصرح سبعة رهبان يسعون معًا إلى عيش حياة روحيّة تحدّدها القوانين الرهبانيّة.
تاريخه
يرد أوّل ذكر للدير في العام 1727، لدى الرحّالة الروسيّ بارسكي الذي يؤكّد قدم الدير بقوله إنّ "الكنيسة صغيرة جدًّا وهي رغم قدمها صلبة وبناؤها حجريّ. بجانبها تقوم القلاليّ الأحدث عهدًا منها والتي يتألّف منها "الدير الصغير" إلى الجهة الجنوبيّة. في هذا الجزء يعيش راهب واحد فقط يهتمّ بالكنيسة".
ومن جهته وجد الرحّالة الإنكليزيّ الأسقف ريتشارد بوكوك راهبًا واحدًا فقط في الدير، عندما زاره في العام 1737. بالإضافة إلى ذلك، تفيد كتابات لاحقة أنّ الدير شيّد في الصخر وأنّه قائم جزئيًّا في مغارة، ما يدلّ على أنّه كان ملجأً للنسّاك الذين سكنوا المغاور والكهوف. أمّا القبور التي وُجدت حول الدير، فهي على الأرجح قبور هؤلاء النسّاك.
حتّى العام 1924 كان دير القدّيس جاورجيوس صيدنايا مقرّ مطرانيّة سلفكيا السابقة والتي كانت تشمل قرى عدّة محيطة، وتمتدّ عبر سلسلة جبال لبنان الشرقيّة لتصل إلى وادي البقاع. رمّم المطران جرمانوس شحادة الدير في العام 1905، وأسّس فيه مقرًّا أسقفيًّا في العام 1912، كما خطّط لبناء متحف تُعرض فيه الإيقونات الثلاثون، التي يملكها الدير والتي تعود بمعظمها إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر. ولكنّ أبرشيّة سلفكيا حُلّت في العام 1924 وأُلحقت منطقة صيدنايا بأبرشيّة دمشق. تاليًا، هُجر دير القدّيس جاورجيوس لقرون عدّة إلى أن بدأت حركة إحيائه الحديثة في العام 1985.
هندسة الدير
يتألّف الدير من أبنية عدّة شيّدت في حقب زمنيّة مختلفة. فقط الجدران السفليّة للكنيسة أصليّة. ويبدو أنّ الأجزاء المبنيّة بالحجر الأبيض المقصوب والمرصوف بترتيب تعود إلى العهد البيزنطيّ المبكّر، أمّا القبّة المشيّدة بالباطون والمغطّاة بالقرميد الأحمر، وبرج الجرس المرتفع، فقد أضيفا حديثًا.
يتّخذ داخل الكنيسة شكل مربّع يعلوه سقف مسطّح وقبّة وتحوط به جدران من الباطون. وحده القسم الغربيّ المحفور في الجرف الصخريّ لم يُطلَ بالجصّ؛ أمّا الطرف الشرقيّ فيحتوي على الهيكل، وقبّة نصف دائريّة وتزيّنه إيقونة جداريّة حديثة للعذراء والطفل.
مغارة دير
إبّان بناء المقرّ الأسقفيّ في العام 1912، اكتشف العمّال كهفًا أمامه مدخل مدرّج. وعلى غرار الكهوف الموجودة في دير الشاروبيم المجاور، ربّما كان النسّاك المسيحيّون القدماء يستخدمون هذه المغاور، وقد حوّلها المتروبوليت جراسيموس شحادة إلى مزار مكرّس على اسم القدّيس جاورجيوس، يقع على بعد عشرين مترًا جنوب-شرق الكنيسة، ويمكن دخوله عبر ممرّ محفور في الصخر وبضع درجات حجريّة. ومؤخرًا زوّد بقبّة قرميديّة حمراء وبمائدة هيكل وإيقونسطاس ورصفت أرضه بالرخام.
يذكر انه في العام 1905، رُفع في الكنيسة إيقونسطاس خشبيّ يمتدّ من شمالها إلى جنوبها. وقد رُسمت إيقوناته بمعظمها في العام 1961. لكنّنا نجد، إلى يمين الإيقونسطاس ويساره، إيقونتي التجلّي الإلهيّ والمعموديّة، وكلاهما من تنفيذ اليد عينها في العام 1707.
كما من بين الإيقونات الأكثر إثارة للاهتمام، في مجموعة الدير، إيقونة للقدّيس جاورجيوس معلّقة إلى يمين مدخل الكنيسة. راسم هذه الإيقونة غير معروف ولكنّها قُدّمت إلى الدير في العام 1828. وكما هو معهود في الإيقونوغرافيا البيزنطيّة التقليديّة، نرى القدّيس ممتطيًا صهوة جواد وهامًّا بذبح التنّين، طفل جزيرة ميتيلن راكبًا خلفه، بينما الملك والملكة والأميرة ينظرون إلى المشهد، وقد أخذهم الخوف والرعدة. قوّة الأسلوب وديناميّته، وتناقض النور والظلّ، تنمّ عن الأثر الغربيّ، وربما تشير إلى أنّ راسم الإيقونة كريتيّ أو يونانيّ.