الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"قبل" و "بعد" كورونا!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تمثّلُ لحظات معينة في الحياة محطّات بارزة تغيّر إحساسنا ونظرتنا للوجود: وفاة أحد الوالدين.. ولادة طفل جديد... تشخيص مرض عضال، وكذلك الأمر بالنسبة لجائحة كورونا بكل ما أحدثته من تغييرات جوهرية في أنماط حياتنا ونظرتنا للوجود فهي لحظة من تلك اللحظات الفارقة في الحياة. الجميع يعرف شخصًا على الأقل مرض أو فقد حياته بسبب الإصابة بالفيروس... كل شخص أصبح لديه شخصية "قبل" كورونا و "بعد" كورونا.
لقد كانت تجربة جماعية للاقتراب من الموت، خاصة أولئك الذين أصيبوا بالفيروس وحالفهم الحظ للبقاء على قيد الحياة. لقد وجد الناس أنفسهم قريبين من أسئلة الحياة العميقة، تلك التي فرضتها جائحة ثقيلة تلخّص كل الأساطير التي نسجتها المخيّلة الشعبيّة وروتها المعتقدات القديمة حول نهاية العالم... أسئلة حول كيف نعيش، وكيف نعاني، وكيف نتعاطف مع من يعانون طوال الوقت بسبب مرض مزمن أو طبيعة عمل تجعلهم في مقدمة الصفوف للدفاع عن الوطن وفرص الحياة، وكيف نصنع معنى وقيمة لوقتنا القصير على هذه الأرض!
وفي ضوء كل ذلك، لم يتوقف العالم عن الحروب والنزاعات والمؤامرات. والحقيقة أن القوى العظمى وتجّار الأزمات ولوبيهات المصالح والكيانات الاستعمارية و التنظيمات الإرهابية وحدهم لا تغيّرهم الجوائح بل يبحثون كيف يستخدمونها ويستخدمون أي أزمات أو ظروف لتحقيق المزيد من المكاسب؛ واقتصاد الحرب كما اقتصاد "الوباء" همّه الأساسي كيف يُترجم لأموال تدخل جيوبهم. فهذه شركات الأدوية تحقق أرباحا طائلة بالمليارات من بيع الدواء واللقاحات المضادة لكورونا. وتلك شركات الأسلحة تقاوم الركود وتواصل إنتاج وشحن السلاح لإشعال الصراعات من جديد في مناطق النزاع. وهذه إسرائيل أكبر كيان محتل ومغتصب في العالم المعاصر يحوّل أزمته السياسية والاقتصادية الداخلية بسبب تداعيات جائحة كورونا لتكثيف مخططاته الاستيطانية فيشن غاراته على الفلسطينيين لسرقة أرضهم وتهجيرهم وانتزاع البيوت التي تأويهم، ويقتل النساء والأطفال والشيوخ والشباب في محاولات مستميتة وسباق محموم مع الزمن من أجل تغيير هوية الأرض الفلسطينية العربية وحضارتها وتاريخها وتهويدها بالكامل، بالتزامن مع استمرار العدوان بالقصف والتدمير والقتل والتدمير والتآمر ضد سوريا المنهكة، ومواصلة الاعتداءات والاختراقات الأمنية والعسكرية ضد لبنان المأزوم، بينما تستمر خطط القادة الصهاينة و أجهزتهم الاستخباراتية في التغلغل العميق والتمدد في العالم العربي والإسلامي، وزرع الجواسيس في كل مكان لفتح المزيد من الثغرات في الجدار العربي والإسلامي والتغلغل في إفريقيا لتهديد المصالح العربية، وفي المقدّمة منها الأمن المائي المصري والحقوق التاريخية في مياه النيل الأزرق.
إن مواجهة الأزمات والصدمات تبدو صعبة للغاية. لكن جائحة كورونا تعلّمُ المرونة والشجاعة والتغلب على الخوف، مثلها مثل أزمات ومعارك كثيرة سابقة ضد الاستعمار وضد الإرهاب والتطرف. لذلك، فالتغيير سواء كان مفروضا على البعض أو اختيارا للبعض الآخر حادث لامحالة وهو بالنسبة للكثيرين يولد من رحم المعاناة ويحقّق تلك الصحوة المرجوّة.
وستستمرُّ الأسئلة المتعلّقة بكيفية التغيير خلال الأشهر والسنوات المقبلة. عملية التفكير حول مسارات التغيير بدأت منذ وقت قصير؛ لكن يبقى أن نرى ونختبر إلى أين يأخذنا التغيير. صحيح أن النسيان كفيل بمحو المعاناة التي تجرعها البعض. لكن المعاناة الشديدة غالبا ما تترك علامات في العقل والرُّوح لا تمّحي مع مرور الوقت بل تفتح نوافذ للنظر إلى حياتنا الجديدة على وقع تلك المعاناة السابقة. وبالتأكيد لن نكون كما كنا "قبل" كورونا ولن تعود الحياة إلى سابق عهدها ولن نترك "العدوّ- أي عدوٍّ- يشمّرُ عن ساعده ليضرب ضرباته ويهدد مصالحنا لأن تجربة الاقتراب من الخطر والموت تعلّمنا كيف نتمسك بالحياة وندافع عن فرصنا!!
olfa@aucegypt.edu