وسط اضطرابات أمنية تصنعها عمدا الميليشيات والمرتزقة المسيطرة على غربي البلاد، بغرض فرض لغة القوة ورسم الواقع السياسي للبلاد وفق أهوائها ومصالح أسيادها، بدأ المجلس الرئاسي الانتقالي التفكير جديا في نقل مقره الرسمي من العاصمة طرابلس إلى مدينة سرت، غير الخاضعة لنفوذ الميليشيات التي كونتها حكومة الوفاق الوطني السابقة.
مصادر مقربة من رئيس المجلس الرئاسي الانتقالي، محمد المنفي، كشفت عن اعتزامه اتخاذ مدينة سرت مقرّا رسميا لمجلسه، على أن ينزل مؤقتا بمقر اللجنة العسكرية المشتركة، إلى حين تجهيز مقر له.
موقف المنفي يرتبط بشكل واضح بالاعتداء الذي وقع منذ أيام على مقره في طرابلس، حين حاصرت الميليشيات فندق كورنثيا، وهددت بسجن أعضاء المجلس الرئاسي داخله، أو طردهم تماما من البلاد، ردا على قرار تعيين حسين العائب مديرا للمخابرات، بديلا للمليشياوي عماد الطرابلسي.
ويؤكد طه على الباحث في شئون الجماعات المتطرفة على أهمية إخراج السلطة التنفيذية الانتقالية، سواء المجلس الرئاسي، أو الحكومة، من قبضة النفوذ المليشياوي، وهو ما يستدعي انتقالهم إلى سرت، خاصة في ظل تعرض وزيري الداخلية والخارجية إلى ضغوط لإجبارهم على السير وفق أهواء الميليشيات ومن يقف وراءها.
وأوضح أن سرت تعد المكان الأنسب لاستضافة السلطة التنفيذية الانتقالية، نظرا لتأمينها بشكل قوي واحترافية عالية من قبل القوات المسلحة الليبية، نظرا لاتخاذها مقرا للجنة العسكرية المشتركة "5+5"، وكذلك لنجاح جهود تأمين انعقاد بعض جلسات مجلس النواب فيها خلال وقت سابق.
وأشار على إلى أن المجلس الرئاسي الانتقالي، وبعض وزراء حكومة الدبيبة، تحولوا إلى هدف للمليشيات والمرتزقة المسيطرين على طرابلس، وهو ما يجعل الانتقال إلى سرت حلا ناجعا لهذه المعضلة، وإن كان في الوقت نفسه، سيؤدي إلى إضاعة المزيد من الوقت، والميل عن الهدف الرئيس، من وجود سلطة انتقالية في البلاد، وهو إجراء الانتخابات في موعدها المحدد عند الرابع والعشرين من ديسمبر المقبل، ما يشير إلى مخطط يجري من خلاله افتعال الأزمات سعيا لتفجير الأوضاع وإلغاء الانتخابات.
في الوقت نفسه وبلا مقدمات منظورة، تصاعد الحديث عن تلاشي حلم إجراء الانتخابات، استنادا إلى عدم التوصل لحلول تنهي بقاء المرتزقة والقوات الأجنبية على الأراضي الليبية، والتي لا يمكن عقلا إجراء الانتخابات في وجودها لما تمثله من تهديد أمني خطير ومُحْدِق.
وكالة "فرانس برس"، الفرنسية، ألقت الضوء على أزمة الانتخابات، في تقرير نقلت من خلاله عن مخاوف المراقبين المتزايدة إزاء تراجع ـ وربما تلاشي ـ فرصة إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية المقررة في ديسمبر المقبل بليبيا، مرجعة هذه المخاوف إلى ما وصفته ببقاء العقبات الرئيسة دون حلحلة، وبخاصة آلاف المرتزقة الأجانب الذين مازالو يتمتعون بالسيطرة والنفوذ على الأرض.
وترى الوكالة أن المراقبين اعترفوا بالوقوع في خطأ التفاؤل المفرط، بعد ولادة سلطة التنفيذية الانتقالية خلال شهر مارس الماضي، مشيرين إلى أنهم سرعان ما اكتشفوا أن الخلافات بدأت تطفو على السطح مجددا، بين شرق وغرب البلاد، حتى وصلت إلى استخدام القوة العسكرية في إظهار النفوذ، مما ينذر بتلاشي أمل استعادة الاستقرار في ليبيا.
الوكالة الفرنسية اعتبرت أن اعتماد حكومة الوحدة المؤقتة في تشكيلها على المحاصصة، مثل أحد العوامل الرئيسة للتعثر السياسي، الذي أدى إلى شعور بعض الفصائل المسلحة في غرب البلاد، بأن خصومهم سيتمكنون، تحت غطاء المحاصصة، من تحقيق مكاسب.
حميش كينير، المحلل السياسي بمعهد "فيريسك مايبكروفت" للأبحاث، حذر من تعرض المسار السياسي الليبي لهزات قوية تهدد بتفككه، وبالتالي انهيار الأمل في إجراء الانتخابات، والحصول على سلطة حقيقية تعبر عن إرادة الشعب، وتعيد الاستقرار للبلاد.
بقاء سيطرة حكومة الدبيبة على جميع أنحاء البلاد، في الإطار النظري حتى الآن، دون أي واقع على الأرض، يمثل عقبة أخرى خطيرة تنذر بتبخر حلم الانتخابات، التي لا يبقى عليها سوى أقل من سبعة أشهر، وذلك بحسب رؤية الدكتور إكرام بدر الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، مشيرا إلى أن القوى الرافضة لاستعادة الاستقرار في ليبيا، تعمل على فرض الأمر الواقع، عبر تعظيم العراقيل الموضوعة في طريق إتمام استحقاق الانتخابات المصيري لليبيين.
وشدد بدر الدين على أن الرهان في النهاية سيبقى معلقا بإرادة الشعب وقدرته على فرض كلمته على الجميع.