الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

العيد عبر التاريخ.. عيدية ولبس جديد

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"يا كحك العيد يا كحك العيد، يا حنا،
يابسكويت، يا حنا، يا شرباتات ياحنا"

توارث المصريون عبر الأجيال العديد من العادات، التي تصاحب الاحتفال بالأعياد لاسيما الدينية منها، والتي تتمثل في الاحتفال بعيد السنة الهجرية والمولد النبوي الشريف وعيد الفطر وعيد الاضحى المبارك، وكل تلك الاحتفالات تتميز بطابع خاص تفرد به المصريون.
وشهد هذا الاهتمام بالأعياد الدينية تميزًا خلال العصر الفاطمي، وكانت تقام تلك الاحتفالات بشيء من الأبهة والعظمة، فكان العيد للمصريين هو عيد الكسوة أو "عيد الحُلل" الحلويات وعطايا الخليفة.
وتبدأ الاستعدادات لعيد الفطر المبارك منذ النصف الثاني من شهر رجب، وأنشأ الخليفة العزيز بالله الفاطمي دار سُميت بـ «دار الفطرة»، خارج قصر الخافة وقد خُصصت لعمل كل ما يعطى للناس خلال أيام العيد.
وأقيمت تلك الدار بخارج قصر الخلافة قبالة باب الديلم، وتملأ بشتى أنواع الأصناف من سكر وعسل وزعفران والدقيق، والفستق. وغيرها من الأصناع التي تصنع منها الحلوى، ويعمل بها العشرات من الحلوانية، ويخصص لها مائة فراش لحمل الأطعمة لتفريقها على الأرباب، وفي منتصف شهر رمضان كان يحضر الخليفة إلى "دار الفطرة" ليشاهد ما تم إنجازه من تلك الحواصل المعمولة، حيث تكون الأصناف مثل الجبال ويقوم بتفريقها من ربع قنطار إلى عشرة أرطال، وإلى رطل واحد، وبعدها ينصرف الخليفة بعد أن ينعم على المستخدمين بستين دينارًا لكل منهما، وبعد توزيعها على كل الطوائف، يتم التهادي بها في مختلف الأقاليم.
وقبل ليلة العيد تفرق على الأمراء، الخيول والمراكب الذهبية، والخلع النفيسة، والطراز الذهبية، والثياب برسم النساء، وكانت الفطرة تعمل وتفرق بالإيوان، ثم تم نقلها في عدة أماكن بعد ذلك.
ولم يختلف الوضع كثيرًا منذ العصر الفاطمي والذي يعود الفضل له في الكثير من العادات التي مازالنا نمارسها حتى وقتنا الحالي، فمازالت الأسر المصرية تقبل على شراء الملابس الجديدة، وكحك العيد، وتبادل التهاني والهدايا، وإعطاء العيدية للأطفال، والحرص على زيارة الأهل والأقارب، وزيارة الراحلون في قبورهم، ويبدوا أن الوضع قد تغير بعض الشيء في الآونة الأخيرة ويرجع هذا لأسباب عدة – لا مجال لذكرها الآن- ولكن يظل العيد يحتفظ بتلك البهجة والسعادة التي يدخلها على قلوب الجميع.

وكان الشعب المصري يستقبل هذه المواسم بمظاهر الفرح والسرور؛ إلا يوم عاشوراء، فقد كان يعتبر يوم حزن عام، تعطل فيه الأسواق، ويخرج المنشدون إلى الجامع الأزهر ليلقوا الأناشيد في رثاء الحسين -رضي الله عنه-. وفي نفس اليوم يقام سماط يسمّى سماط الحزن في بهو بسيط، وكان يقدم عليه الشعير والعدس والجبن يحضره الخليفة ملثمًا ومرتديًا الثياب القائمة.
موكب الخليفة نقود ذهبية وعطايا للأمراء
ففي صبيحة يوم العيد، يركب الخليفة بـ "المظلة" المصنعة من الديباج أو الخز المُحلى بالذهب، والمرصع بالجواهر، وحولها الأعلام المختلفة الألوان، وتكون متناسقة مع ملابس الخليفة، أما "اليتيمة" وهي الجوهرة التي تعلو عمامة الخليفة، وكانت توضع بين هلالين من الياقوت الأحمر، أما ثياب الخليفة فيكون من الثياب الأبيض الموشحة.
وكان الخليفة يخرج من باب العيد إلى مصلى العيد، والذي كان يصلي فيه الخليفة عيد الفطر وعيد الأضحى، وكان موقعه خارج باب النصر، وهي مُصلى كبيرة قائمة على ربوة، وجميعها مبنى بالحجر، وحاطة بسور على بابه قلعة، وفي صدرها قبة كبيرة بها محراب وإلى جانب القبة، المنبر وسط المصلى مكشوفًا تحت السماء، ارتفاعه ثلاثون درجة، وعرضه ثلاث أذرع، وفي أعلاه جلسة الخطيب.
ويذهب الخليفة إلى المُصلى ويكون عساكر الخليفة وجنوده من الفرسان على صفين من باب العيد إلى المصلى، وقد تقدم صاحب بيت المال إلى المصلي فيفرش الطراحات المنقوش عليها من جهة اليمين "الفاتحة" و"سبح اسم ربك الأعلى"، ومن جهة اليسار منقوش عليها "الفاتحة" و"هل اتاك حديث الغاشية"، ويركز في جانبي المصلي لواءين مشدودين على رمحين، قد لبست أنابيبها بالفضة ويرخيهما، فيدخل الخليفة من شرق المصلي إلى مكان يستريح فيه قليلًا، ثم يخرج محفوفًا كما يخرج الجمعة فيصلي بالتكبيرات، ويردد القوم من ورائه على ترتيبهم في صلاة الجمعة، ويقرأ في الأولى بعد الفاتحة:"سبح اسم ربك الأعلى" وفي الأخرى "الغاشية"، ثم يصعد إلى ذروة المنبر، ويقف الوزير أسفل المنبر ومعه قاضي القضاة، وصاب الباب، وقائد الجيش، والعساكر، وصاحب السيف، وصاحب الرسالة، وزمام القصر وصاحب دفتر المجلس، وصاحب المظلة، وإمام الأشراف الأقارب، وصاحب بيت المال، وحامل الرمح، ونقيب الأشراف الطالبيين.
ثم يشير إلى القاضي فيصعد إلى سابع درجة، ويشير إليه الخليفة فيخرج من كمه "ملف من الورق المكتوب"، به الخطبة التي يلقيها الخليفة والتي تبدأ بالبسملة، ويلها أسماء الأقارب، والذين يبدءون بالوقوف، ثم يخطب الخليفة خطبة بليغة، ثم ينزل إلى مكانه ويركب في زيه الفخم إلى قريب القصر".
يقول "المسبحي" في وصفه لموكب المعز لدين الله الفاطمي في عيد الفطر:" ركب المعز لدين الله لصلاة العيد، وبين يديه الجنائب والقباب الديباج بالحلي، والعسكر في زيه من الأتراك والديلم والعزيزية، والأخشيدية، والكافورية، واهل العراق، بالديباج المثقل، والسيوف والمناطق الذهب، وعلى الجانبين السروج المذهبة بالجواهر، والسروج بالعنبر، والفيلة عليها الرجال بالسلاح والزرافة وخرج بالمظلة الثقيلة بالجواهر وبيده قضيب جده".
أما موكب العزيز لدين الله الفاطمي فلم يختلف كثيرًا عن موكب أبيه المعز، فإذا ما انتهى الخليفة من أداء صلاة الفجر، عاد إلى مجلسه، وفتحت أبواب القصر والإيوان على مصرعيها، وهرع الناس من جميع الطبقات إلى السماط الخليفي، وتناولوا مما عليه من الطعام.. وحينما تبزغ الشمس يخرج الخليفة في موكبه إلى الصلاة.
وإذا ما عاد الخليفة من الصلاة، وجد سماطًا آخر فيجلس وأمامه مائدة من فضة يقال لها "المدورة"، وكانت توضع عليها أواني الذهب والفضة الزاخرة بألوان الطعام، وقبالتها سماط ضخم يتسع لنحو خمسمائة مدعو، نثرت عليه الأزهار والرياحين وصفت على جانبيه الأطباق الحافلة بأنواع الطيور والحلوى وكان يجلس إليه رجال الدولة والعظماء.
في السطور السابقة تطرقنا إلى الموكب الأسطوري للخليفة في أول أيام عيد الفطر المبارك، والمتتبع لتاريخ الدولة الفاطمية لم يجد الكثير عن أحوال الناس والرعية، فكنوز الفاطميون وفنونهم قد نالت الاهتمام الأكبر من قبل الباحثين والمؤرخون، أما الرعية والشعب فكانوا يتهافتون على تلك المواكب ليشاهدوا عظمتها وبهائها وما ينجم عنها من عطايا يقوم الخليفة بإعطائهم لعامة الشعب.

رصد المستشرق الإنجليزي إدورد وليم لين في كتابه الأهم "عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم، ما كان يقوم به المصريون خلال أيام عيد الفطر المبارك، أو "العيد الصغير" والعادات التي كان يمارسها المصريون في مطلع القرن التاسع عشر.
ويقول لاين:" في أول أيام العيد يحتشد المصلون بعد طلوع الشمس مباشرة في أبهي حلة لهم، ويؤدون صلاة العيد وتليها خطبة يلقيها شيخ الجامع أو خطيب المسجد" ويتبادل الجميع التهاني ويتبادلون الزيارات.
وكان يحرص المصريون على ارتداء الأزياء الجديدة – ومازالوا- يمارسون تلك العادة حتى هذه الأيام، ويحرص المصريون على وجود "كحك العيد" في وجبة الإفطار صبيحة يوم العيد، ويحرصون أيضًا على إهداء أطباق الكحك والحلوي للجيران والأصدقاء، ومن أبرز المأكولات التي يحرص أيضًا المصريون على تواجدها في أول أيام العيد هي "الفسيخ" والفطير، والكحك، كما كانت تقفل أغلب المحلات أبوابها خاصة في العاصمة.
"كحك العيد" رحمة ونور
ومن العادات التي يحرص المصريون على القيام بها في أول أيام العيد هي زيارة النساء للمقابر والأضرحة، والدعاء إلى موتاهم، ويحملون معهم سعف النخيل والريحان لوضعها على المقابر، كما يقومون بالتصدق وتوزيع "قُرص الرحمة" والتي تصنع خصيصًا لتوزيعها على المقابر، ويتم عملها بنفس الخليط الخاص بكحك العيد ولكنها تكون أكثر خشونة منها وأكبر حجمها، وتعود تلك العادة إلى الحضارة المصرية القديمة، حيث اهتم قدماء المصريين بتقديم القرابين على قبر المتوفى، ومنها الكحك، كما كان المصريون القدماء يتفننون في عمل الكحك كان يستخدمون العسل والتين والتمر والزبيب، حيث يتم خلط عسل النحل بالسمن ويقلب على النار ثم يضاف على الدقيق ويقلب حتى يتحول إلى عجينة يسهل تشكيلها على شكل أقراص أو بمختلف الأشكال الهندسية والزخرفية ثم يرص على ألواح «الأردواز» ويوضع في الأفران كما كانت بعض الأنواع تقلى في السمن أو الزيت.
كما كانوا يقومون بحشو الكعك بالتمر المجفف"العجوة" أو التين ويزخرفونه بالفواكه المجففة كالنبق والزبيب، وكانوا يصنعون الفطائر عند زيارة المدافن في الأعياد ويتم تشكيلهاعلى شكل تميمة ست عقدة إيزيس وهي من التمائم السحرية التي تفتح للميت أبواب الجنة، وهي نفس العادات التي يقوم بها المصريون حاليًا حين يزرون موتاهم يقدمون الكعك والفطائر رحمة ونور على أرواح موتاهم.
وكانت النساء تقوم بتوزيع الكحك والفطير والشريك على الفقراء المتواجدين في المدافن، وكانوا ينصبون الخيم -في بعض الأحيان- ويتم تلاوة القرآن الكريم وقراءة الفاتحة، ويمكثن هناك حتى وقت الظهيرة.
خيم المقابر تتحول لساحة للاحتفال بالعيد
ويذكر إدورد لاين:" كانت تتوجه النساء إلى المقابر في الصباح الباكر ولا يرجعن حتى بعد الظهيرة، ويمضى بعضهن الليل في خيمة التي يتم نصبها ويظلون فيها حتى انتهاء الاحتفال بالعيد أو حتى بعد ظهر يوم الجمعة التالي، وكانت النساء العائلات والذين يملكون مدفنًا خاصًا مع منزل بداخلة، وذلك لتوفير الراحة للنساء، وتمثل قرافة باب النصر الكبرى مسرحًا مميزا في العيدين، حيث كانت تعلق المدومات والأرجوحات في قسم قريب من بوابة العاصمة، وتنصب الخيم المختلفة، ويتوافد رواه السير الشعبية على تلك الخيم لإيحاء ليالي العيد، ويمرح الأطفال بركوب الأرجوحة، ومشاهدة الللاعبين الشعبيين، ويفرحون بالعيدية ويقومون بشراء الحلوى والألعاب.
لموسيقى والغناء في أيام العيد
كثر الاهتمام بالغناء والموسيقى في العصر الفاطمي بمصر، ويحرصون على تواجد المغنيين والمنشدين في مجالسهم الخاصة حيث كانت تقام مآدب الطعام على سماع المغنين والمغنيات، وكانت معظم المغنيات من الجواري، وتتناول إحدى الحكايات الشعبية:" أنه اشتريت من بغداد جارية تجيد الغناء للأمير تميم بن المعز لدين الله بمصر، فغنت له ولجلسائه، ولم يزل غناؤها يزيده طربًا حتى قال لها: تمني ما شئت، فتمنت أن تغني ما غنت ببغداد. فلم يجد الأمير بدًا من الوفاء لها وأرسلها إلى بغداد. كما كانت تقام مجالس الطرب والغناء واللهو على شواطئ الخليج بالقاهرة في أوائل عهد الحاكم بأمر الله، فلما تجلى الانحلال الاجتماعي من جراء هذه المجالس، أصدر الحاكم قوانين يمنع بعضها سماع الموسيقى ويحرم البعض الآخر الغناء والملاهي التي تعد خطرًا على أخلاق العامة، ثم عادت تلك المجالس في الظهور مرة أخرى بعد وفاة الحاكم، وكان الخليفة المستنصر بالله يميل إلى سماع المغنيات، وهو الأمر الذي ذكره بعض المؤرخين:" أنه كان من بين مظاهر الاحتفال باستيلاء البساسيري على بغداد وإقامة الخطبة باسم المستنصر على منابرها أن وقفت إحدى المغنيات تحت قصر الخليفة تنشد بعض الأبيات، فأعجب المستنصر بغنائها وأجزل لها العطاء". كما ظهرت العديد من الفنون خلال العصر الفاطمي ومنها اللعب بالخيال حيث كان يخرج الناس في بعض الأعياد ويطوفون شوارع القاهرة بالخيال والتماثيل والسماحات؛ كما احترف بعضهم التقليد والمحاكاة. وبلغ من حذق بعض الناس المحاكاة أنهم كانوا يقلدون طوائف السكان على اختلاف نزعاتهم وأجناسهم. وكان الأهالي يقبلون على سماع نوادرهم. وكانت المجالس الاجتماعية تعقد في قصور الخلفاء والوزراء والأعيان حيث يجتمع العلماء والأدباء للمناظرة والمناقشة، كما كانت المجالس الخاصة تعقد في داخل المنازل لسماع النوادر والأحاديث التي تتجلى فيها اللباقة العقلية، لقضاء أوقات فراغهم في لعب الشطرنج والنرد.