على مدى أكثر من أسبوع أو أسبوعين، واصل الصهاينة وبالتزامن مع الذكري الـ73 للنكبة، حملة تطهير عرقي وتهجير وعدوان على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وواصلت الوقاحة الصهيونية من جنود الاحتلال إلى تدنيس باحات المسجد الأقصى، والاعتداء على المصلين في ليالي رمضان.
وما جرى ويجري بشكل مستمر في الأراضي الفلسطينية، لا يمكن وصفه إلا بأنه مقدمات، لبوادر نكبة جديدة، وحملات تهجير تحت سمع وبصر العالم.. وما شهده حي الشيخ الجراح، ما هو إلا نموذج بشع للصهيونية في أبشع صورها.
من كثرة الأرقام عن الشهداء والضحايا من الفلسطينيين في مختلف المناطق والمدن، توقفت عن حسابات الأعداد، من كثرة الضحايا، ولكن هذا لم يؤثر على انتفاضة الشعب الفلسطيني ضد وحشية المحتل، والذي يستخدم كل أدواته "الحربية" ضد الأطفال والشباب والسيدات الذين يتسلحون بالحجارة فقط.
وفي المقابل خرجت من كل دول العالم بيانات التنديدات ضد الانتهاكات الصهيونية، بينما يواصل المحتل اعتداءاته، وغاراته ضد أصحاب الأرض، والذين يدافعون عن حقوقهم، فيما يدرك الصهاينة أن العالم لن يتحرك قيد أنملة، بعد بيانات التنديد، والمطالبة بضبط النفس، وأكثر ما يقوم به العالم هو مجرد استدعاء السفراء، لتسليم مجرد رسائل المطالبة بضبط النفس، أو احتجاج مبطن، وربما لتناول فنجان قهوة، بينما يتم طحن أصحاب الحق والأرض تحت الآلة العسكرية الصهيونية، والتي ربما تكون فيها رائحة تمويل مال عالمي، وعربي.
جميعا نعلم أن الرهان على قرارات المجتمع الدولي أصبحت فكرة واهية لا قيمة لها، لأن تاريخ إسرائيل الطويل مع قضية العرب الأولى، أنها لن تضع أي وزن للقرارات الأممية، وتعتبرها لا تساوي ثمن الحبر الذي تُكتب به، بل الأكثر من ذلك أن الصهاينة يستخدمون علاقاتهم القديمة والجديدة غطاء لمزيد من العدوان على السكان العُزل في الأراضي المحتلة.
أما الرهان على السياسات الأمريكية في عهد بايدن، فهو رهان خاسر على طول الطريق، فالموقف لم ولن يتغير، بشأن الدعم الأمريكي لإسرائيل على طول الخط، والفارق الوحيد بين إدارة تنتمي للجمهوريين وأخرى للديمقراطيين، تقتصر على طريقة إعلان الموقف الداعم للصهيونية، بين السرية والعلانية.
التاريخ الأسود للصهيونية الإسرائيلية يؤكد أنه فكرة الاعتماد على الحل السلمي، هي مجرد وهم في الفكر السياسي الصهيوني، بل في الوقت الذي تعلن أنها تمد يدها للسلام، وتعمل على إبرام اتفاقيات سلام مع أطراف عديدة، تأتي عند القضية الفلسطينية، وتعلن ومن خلال أفعالها، أن القوة العسكرية هي أداة الحوار،لأن الصهيانة يدركون أن الخطر في وجودهم هو داخل الأرض "المحتلة" التي "يؤمنون" أنهم أصحابها، وليس غيرهم، بل يعتبرون الفلسطينيين، ومن وجهة نظرهم هم المحتلون.
إذن الرهان القصير أو الطويل على سلام فلسطيني إسرائيلي، هو مجرد "طنطنة" سياسية يرددها الساسة في كل محفل، وهم يدركون أن الصهاينة، شعارهم "استخدم قوة السلاح" ضد كل فلسطيني، بل قل ضد كل "جنين" فلسطيني، لتبقى إسرائيل، وتموت فلسطين، إلا أن الشعوب والتاريخ يقول "إن ما أٌخذ بالقوة، سيبقى يحتاج لقوة" لاسترداده.
والأهم الذي تتغافل عنه إسرائيل هو طمعهما الدائم في القدس، لتفرغ ما تبقى من القضية الفلسطينية من مضمونها التاريخي للعرب والمسلمين والمسيحيين، في ذات الوقت، وتراهن على أنها دخلت في مصالحات مع أطراف عديدة، ولا تدرك أن الفرق الجوهري بين تلك الاتفاقيات، والواقع التاريخي العربي أن قضية فلسطين جزء راسخ في المفاهيم والثقافات العربية، وهو ما حرصت العديد من الدول على تأكيده في تصريحات رسمية على مدى الأيام الأخيرة التي ترافقت مع انتهاكات وعدوان صهيوني على الفلسطينيين اهتزت لها ضمائر شعوب العالم.
التجارب الطويلة والتاريخ الأسود للصهيونية، يثبت على طول الخط أن النوايا لا يتم حسابها بكل ما هو مُعلن، بل احسبوها بما هو واقع على الأرض،.. ورغم ما حدث.. ستبقى القدس عربية، والصهيونية إلى زوال.