ودعت مساجد محافظة الأقصر، شهر رمضان المعظم في آخر ساعاته، بعبارات التوحيشة التي تعبر عن حزن الناس على انقضاء الشهر الكريم وإحساسهم بالوحشة لغيابه، وافتقادهم لأجوائه العامرة بالخشوع والمحبة والتواصل والسلام.
وكما جرت العادة عند المسلمين بالأقصر، أن يحتفلوا باستقبال شهر رمضان المبارك بالحفاوة والتكريم وإقامة مظاهر الفرح والسرور وتعليق الزينة، للتعبير عن ترحيبهم بإطلالته بعد طول شوق وانتظار، فقد جرت العادة في المقابل، أن يودعوه في الخمس أيام الأخيرة بمظاهر الألم والحزن والتحسّر لقرب رحيله، فيما يعرف بـ "أيام التوحيش"، وهي كلمة تأتي من الوحشة التي يشعر بها الصائم لمفارقة شهر رمضان.
وقامت مساجد الأقصر بـ"التوحيش" عقب كل آذان وخاصة بعد أداء صلاة الفجر وصلاة التراويح، تحسرا على انتهاء الشهر الكريم، وملأ مؤذنو المساجد، سماء القرى، بتوحيشهم وفي صوتهم نبرة من الحزن لفراق الشهر الكريم ووداعه، حيث قال الخوارزمي في معنى: "لا أوحش الله منك"، أي لا أذهبك الله، فتوحش أحباءك من جانبك بالفراق، وفقا لما جاء في كتاب (رمضان في الحضارة العربية الإسلامية) لمحمد رجب السامرائي.
فيما أشار المؤرخ المحامي عبد اللطيف فاخوري، إلى أنه عُثر في مكتبه "الاسكوريال" في أسبانيا على أقدم مخطوطة تحمل عنوان: "وداع رمضان المعظّم" لإبن الجوزي المتوفى سنة 1200م، ولذا يمكن القول بظهور تلك العادة على الأقل منذ القرن السادس للهجرة".
وقال سعدي مسعود، أحد المؤذنين بالأقصر، وهو واحد ممن يعرف عنه ترديده لتلك التوحيشات خلال العشر الأواخر من الشهر الفضيل، لـ"البوابة نيوز"، "منذ بدأت برفع الأذان، وأنا أردد التوحيشات في الأيام الخمس الأواخر من رمضان، وهي تعد من العادات القديمة التي نعرفها منذ قديم الأزل التي نقوم بها في وداع هذا الضيف الغالي، وتختلف تلك العادة من بلد لآخر، ولكنها تجتمع في كونها صورة من صور إظهار الحزن والأسى على فراق شهر رمضان.
وفيما يلي كلمات التوحيش التي تصدح بها مكبرات الصوت بالمساجد، حيث إن الكلمات تبدأ بجملة "لا أوحش الله منك" فيقول المؤذن:
"لا أوحش الله منك يا شهر رمضان
لا أوحش الله منك يا شهر القرآن
لا أوحش الله منك يا شهر الصيام
لا أوحش الله منك يا شهر القيام
لا أوحش الله منك يا شهر الإيمان
لا أوحش الله منك يا شهر الصلاة
لا أوحش الله منك يا شهر العطاء
لا أوحش الله منك يا شهر الزكاة
لا أوحش الله منك يا شهر البركات
لا أوحش الله منك يا شهر رمضان".