الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

وداعاً ملهمي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ليس من الفروسية أو النبل أن ينازل المرء – وهو في كامل تسليحه – أحد خصومه وقد تجرّد من سيفه وترجّل عن جواده، ومن ثمّ فإن سطوري المقبلة ليست – معاذ الله – محاولة اغتيال معنوي للدكتور حازم الببلاوي لحظة خروجه من منصبه الرفيع كرئيس لمجلس الوزراء، وليست – حاشا لله – شماتة في الرجل تبتهج وتتشفّى منه لحرمانه من الحشية الطرية لمقعد منصبه السامي، وإنما هي سطور تفتقد حضور حازم الببلاوي في المشهد العام ورحيله عنه، بعدما كان ملهمي في عشرات المقالات التي سطرتها طيلة فترة رئاسته لمجلس الوزراء، ومهما كانت ذكرياتنا مع الدكتور حازم الببلاوي محزنة، وإلهاماته لنا فاجعة، فإن العِشرة - بكسر العين - لا تهون إلا على ابن الحرام، والإخلاص لذكريات وجود حازم الببلاوي في مجلس الوزراء يقتضي أن نذرف على الرجل العبرات مدرارة، ونودّعه حقّ التوديع عارفين بجميل لا نعرفه، ولكننا نفترض وجوده - أو نفتعله - حتى يكون هناك مبرر للبكاء والتوديع، كما ينبغي أن نكون ذاكرين فضل قيام الببلاوي بدور الملهم طوال أيام وشهور من مسيرته الظافرة كرئيس للوزراء.
أحد جوانب قلقي من لحظة فراق حازم في مجلس الوزراء، هي أنه سيتفرغ – تماماً – للتمدّد على كرسيه فى محيط ملعب الكروكية بنادي "هليوبوليس" مع المسنّين والعجائز من أصحابه، ومن ثم سيحرمني من الإحساس بأنني ضبطته صائحاً: "قفشتك يا دوك" حين كان ظهوره في النادي – وقت غرق البلد في الدماء واشتعال أفقه بالنار – هو بمثابة عمل غير لائق تورّط فيه الرجل مرات عديدة، أما الآن فمن حقه أن يغدو ويؤوب، ويروح ويجيء، على نادى "هليوبوليس" كيفما شاء، ولا يستطيع أي كاتب رذيل مثلي أن يفتح فمه أو يشهر قلمه مندِّداً بتلك الخفّة التي يتحّلى بها حازم الببلاوي في إدارته لأمور البلاد، لا سيما وأنه لم يعد رئيساً للوزراء وبات من حقه التحليق في أي أفق يختار.
وهناك جانب آخر سأفتقده - برحيل الببلاوي من مجلس الوزراء - هو تلك النكات البائخة التي كان يمطرنا بها في نادي هليوبوليس حين يحلّ – بغتة في صباحات ينتقيها على كيفه – بثلة من أحبابه وأصحابه وسط دهشة أعضاء النادي من عثور حازم على وقت فراغ يسمح له بأن يتردد على النادي وسط مرحلة من أعقد وأصعب ما مر بالوطن، فالآن لن يمطرنا الببلاوي بالنكات البائخة - معظمها قبيح جداً بالمناسبة -لأن مزاجه بالقطع عكر، وهو لا يبدع في مجال النكات البائخة إلا حين يكون دماغه رائقاً.
سوف أفتقد ملهمي حازم الببلاوي كذلك – وبالذات ف إحدي ممارساته المسجّلة باسمه والمطبوعة بأسلوبه – وهي قدرته على الاحتفال البالغ بأمور لم يشارك في صنعها، مُدّعياً أن له فضلاً فيها، فعلى الرغم من أن الببلاوي تسبب في كوارث على المستوى الأمني، وعلى مستوى المواجهة مع تنظيم الإخوان الإرهابي، إلا أنه كان أول المتصدرين للصفوف حين ينجح رجال الجيش والشرطة في تحقيق إنجاز في مواجهاتهم مع الإرهاب، إذ نجد الببلاوي قد فطّ ونطّ متحدثاً عن توجيهاته ورؤيته وأسلوبه الذين أدّوا إلى ذلك الإنجاز، ولا مانع – في ذلك الإطار – من استقباله لبعض القبلات على سبيل التهنئة أو إجهاش من حوله بالبكاء على سبيل التأثر، وهو نفس الببلاوي الذي عطل اقتحام رابعة العدوية ونهضة مصر حتى تمكنت عصابات الإخوان من الموقعين وتسلّحت، وهو الذي ماطلنا – طويلاً – في اعتبار الإخوان جماعة إرهابية، قائلاً: "ليس لديّ ما يثبت كونها إرهابية"، بينما كان الإرهابيين يسرحون في البلاد ويقتلون ويقنصون أبناء الشعب، مدنيين وعسكريين، وحين خضع الببلاوي – تحت ضغط شعبي غلاب – وأعلن أنها جماعة إرهابية، ثبت لنا أنه يخدعنا، لأن ذلك القرار لم يرفع إلى رئيس الجمهورية المؤقت ولم يصدق عليه الرئيس ولم ينشر في الجريدة الرسمية، ثم أن مصر - في العهد الببلاوي - شهدت واحداً من أعجب المواقف، وهو إصرار وزير التعليم العالي على عدم السماح بدخول الأمن إلى حرم الجامعات لمواجهة إرهاب المخربين من شباب جماعة الإخوان الإرهابية المحظورة، وتعطيلهم للدراسة وترويعهم للمواطنين في محيط كل جامعة أو مدينة جامعية، وإن اضطرت حكومة الببلاوي مرة أخرى إلى الموافقة على دخول الأمن - قبيل صدور حكم محكمة الأمور المستعجلة التاريخي بعودة الحرس الجامعي إلى الجامعات، وهو ما ينسخ حكماً قضائيّاً سابقاً في دعوى رفعتها جماعة 9 مارس التي ينتمى إليها حسام عيسى وزير التعليم العالي السابق، والتي منعت الحرس الجامعي من دخول الجامعة - كل تلك المواقف المذهلة لملهمي حازم الببلاوي سوف يحرمنا خروج رئيس الوزراء السابق من تكرارها الرائع، وخاصة بعدما كان التناقض بينها والاحتياج الشعبي يدهشنا طوال الوقت، ثم تتضاعف دهشتنا حين تأتي الظروف بنجاح تحققه مؤسسات الدولة الأخرى غير مجلس الوزراء، فينسبه الببلاوي إلى نفسه ويدّعي أنه صاحب الإنجاز ومحقق المعجزات.
نعم.. سوف يحرمنا خروج ملهمي حازم الببلاوي من كل تلك الأشياء المثيرة والعجيبة، ثم أن إلهامات الببلاوي امتدت إلى ظواهر أخرى كانت مجالاً لضحكنا أو بكائنا، أو لخليط ما بين الاثنين يسمى "التراجيكوميديا" - أو الكوميديا السوداء - وضمنها التعارض المذهل سواء بين مواقف وتصريحات الوزراء بعضهم وبعض، أو بينهم ورئيس مجلس الوزراء، وهي المواقف والأقوال التي كانت تتغير في كل يوم مرتين أو ثلاث مرات على أن تكون المرة الأخيرة قبل العاشرة من مساء كل يوم، ولا نعرف لماذا!.
يعني نحن لم نك نستطيع – وتلك إحدى عبقريات الببلاوي – أن نعرف ما هو الموقف الحقيقي لحكومته، إذ قدم إلينا خمس أو ست فصائل من المواقف في كل قضية، بحيث يختار المواطن من مواقف الحكومة ما يناسب ذوقه وما يميل إليه مزاجه بصرف النظر عن الاحتياج الوطني.
نعم.. سوف نفتقد ملهمي حازم الببلاوي صديق محمد البرادعي، والذي كان قناة ننفذ من خلالها إلى أخبار البرادعي - المعروف بالأيقونة - خاصة وأنه أخبر أصدقاءه من عواجيز نادي هليوبوليس أنه على اتصال دائم بالأيقونة، وبما فسر لنا – في الواقع – غموض والتباسات بعض سياسات وقرارات الببلاوي، التي جاءت ضد المصلحة الوطنية وضد إرادة الشعب، وضد منطلقات ثورة 30 يونيو الأسطورية، وضد المنطق أيضاً.

وماذا أقول أيضاً؟!..
وداعاً يا "ببلا".. وداعاً يا ملهمي!.