الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

مفكرون خالدون|| فرج فودة.. شهيد الكلمة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«العقل المصري قابل للمحاورة معك مهما اختلفت معه بشرط أن تكون واضحا ومقنعا، وهو أيضا مستعد لتلقي آرائك مهما كانت بشرط أن يتيقن من صدقك في التعبير والدفاع عنها، وحاسته في إدراك الصدق وتميزه حاسة باهرة. ولعل هذا يفسر لنا تقبل المصريين لفكر رواد الحضارة في بداية القرن العشرين، أمثال: رفاعة الطهطاوي، وعلي مبارك، وأحمد لطفي السيد، وسعد زغلول، وقاسم أمين، وطه حسين، وعلي عبدالرازق، وأحمد أمين...وغيرهم».
ربما كلام فرج فودة هذا يعطينا دفعة للتعامل مع الشعب المصري والاهتمام بمحاورته بديلا عن فرض الوصاية عليه من قبل بعض العلمانيين أو ممن يطلقون على أنفسهم هذه التسمية بأنه شعب متخلف ولا يجد الحوار معه نفعا، إذ يؤكد فرج فودة على أهمية الحوار ولكن بشروط مهمة، أساسها المصداقية، والدفاع عن الرأي ليس بتجهيل الآخر أو فرض وصاية عليه بل بالحوار الصادق، والاستمرارية حيث يضرب لنا مثلا برواد نهضتنا في العصر الحديث.
فلم يكن واحدا من هؤلاء يسير مع التيار العام، أو يرضخ لما يطلبه الرأي العام. أو يتمسك بالثابت والمستقر، وقد تكالبت عليهم العقول الراضخة والظلامية إلا أن من بقى هم الرواد وأما الزبد فيذهب جفاء.
ويستطرد فرج فودة ويقول: «وليس عليهم إلا أن يدركوا حقيقة واحدة، وهي أنهم موجودون لأداء دور تفرضه عليهم معطيات الواقع ومتطلبات المستقبل، ويدفعهم إليه إيمانهم بأوطانهم وبمستقبل الأجيال القادمة، وأن وجودهم مرتبط بأداء هذا الدور، وأنهم بقدر هذا الأداء سوف يكونون، وبقدر التضحية سوف تنتصر دعوتهم، وبقدر قوة مناوئيهم وعنفهم وجبروتهم، بقدر ما يكون لأدائهم مضي، ولدورهم تأثير».
هكذا كان فرج فودة يعطي نفسه وإيانا الدرس في الدفاع عن أفكارنا وحريتنا ووطننا.
• الإرهاب حسب الطلب
«إن الإرهاب لا يعيش، ولا ينمو إلا في ظل الديماجوجية، وإلا عندما تفقد العين القدرة على التمييز بين الإرهاب وبين الشرعية، وإلا عندما يتنادى البعض بأن هناك إرهابا مشروعا، وإرهابا غير مشروع، وإرهابا مستحبا، وإرهابا غير مستحب».
وضرب فرج فودة مثلا بقتل السادات وقتل رجال الشرطة في أسيوط حيث صنفت بعض القوى الحزبية قتل السادات بأنه عمل بطولي، وأما قتل ضباط الشرطة صنفوه إرهابا.
وهنا يضع فرج فودة يده على الجرح وعلى الأزمة الحقيقية لدى نخبنا الثقافية وفي القلب منهم هؤلاء الليبراليون الذين يتشدقون طول الوقت بحقوق الإنسان طالما هذا الإنسان ضد السلطة، بينما لو كان مع السلطة فليس له أي حقوق بل يكون بالنسبة لهم خائن وعميل وأمنجي، وليس شرطا أن يكون مع السلطة في كل المواقف، فقط لو أيد السلطة أو الحكومة مرة واحدة يريدون إقامة حد الخيانة والعمالة عليه.
هذا الجزء من كتاب الإرهاب لفرج فودة يضعنا أمام أزمتنا بالفعل، وأعتقد أننا جميعا نتذكر ما حدث من عاصري الليمون وما حدث بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وموقفهم من فض اعتصامي رابعة والنهضة، ودفاع الكثير من العلمانيين والليبراليين حتى اليوم عن هؤلاء الإرهابيين في السجون المصرية أو بعد النطق بالحكم ضدهم، وكأن هؤلاء الإرهابيين حمائم سلام لم يغتالوا الوطن، ولم ينتهكوا حرماته. وخير مثال على ذلك أولئك الذين مازالوا يدافعون عن جماعة إرهابية أرادت قتلنا جميعا ورفعت شعار "يا نحكمكم يا نقتلكم".
فنحن الآن في هذه الحالة تماما من عدم القدرة على التمييز ما بين الإرهاب والشرعية.
• الشائعات والطلقات
يقول فرج فودة، شهيد الكلمة، الذى اغتالته رصاصات إرهابية غادرة في ٨ يونيو ١٩٩٢: «للإرهاب أنياب ومخالب، تتمثل في إطلاق الشائعات الكاذبة المدروسة، والتي تمثل – إذا استعرنا أسلوب حرب العصابات- ستار الدخان الذي يحمي الإرهابيين، سواء في إقدامهم على الفعل، أو في الهروب بعده، بأقل قدر من الخسائر،وبأكبر قدر من تجميد وتحييد الاستنكار الشعبي».
«لست أدري كيف لم ينتبه أحد إلى أنها أصبحت سمة أساسية للعمليات الإرهابية في السنوات الأخيرة، وكيف لم تصل درجة التنبه إلى دراسة كيفية مواجهة هذه الشائعات إعلاميا، وسياسيا، وأمنيا. لأنها في النهاية لا تقل خطرا عن البندقية في كل الأحيان، ونرتبط بها ارتباطا وثيقا في أغلب الأحيان».
أعتقد أننا مازلنا ندور في نفس الدائرة، فمازالت جماعة الإخوان الإرهابية تمارس هوايتها المفضلة في صناعة ونشر الشائعات والأكاذيب مؤيدة بأجهزة استخباراتية، وقنوات فضائية تابعة لحكومات في المنطقة ويمتلكون عددا كبيرا من المواقع الإليكترونية، ولهم أسهم في عدد من الصحف العالمية يبثون خلالها أكاذيبهم وشائعاتهم، ومازالت في المقابل مجهودات الدولة في مجابهة هذه الشائعات سواء كان على المستوى الإعلامي أو السياسي ضعيفة. بل والأكثر من ذلك خطر أن تحول الصراع بين هذه الجماعات وبين أجهزة الدولة خاصة مؤسساتها الإعلامية والثقافية،والدينية على امتلاك صحيح الدين، حيث تتهم هذه الجماعات الدولة بأنها دولة طواغيت ولا تقوم بتطبيق شرع الله فيكون الرد من مؤسسات الدولة أن هذه الجماعات ضالة، وخوارج عن الإسلام، فأصبحنا وكأننا في مباراة تكفير وتكفير مضاد، هذا يؤكد أننا لم نتجاوز حتى الآن اللحظة التي كتب فيها فرج فودة كتابة هذا عام ١٩٨٧- ربما نكون تخلفنا عنها- فكان متاحًا لفرج فودة ما لم يتح لنا الآن رغم تطورنا التكنولوجي، وكثرة القنوات التي نستطيع استخدامها في الرد على هؤلاء.