تتفرد مدينة القاهرة بسحر خاص، تجذب إليها القلوب قبل العيون، عجز المؤرخون والمستشرقون على وصفها، فكل من يأتى إليها يأبى الرحيل، وكأنها «النداهة» التى تشدو بصوتها العذب لتجذب إليها كل من تخطو قدمه عليها، فهى مزيج من العبقرية والجنون، أما لياليها فلها مذاق خاص، التجوال في شوارعها حتى مطلع الفجر، فهى المدينة التى لا تنام. وعلى مدى شهر رمضان المبارك سنروى حكاية تلك المدينة الساحرة، أم المدن، «القاهرة» سنتحدث عن مساجدها، وكنائسها ومبانيها، وحكايات أشخاص عاشوا فيها، وغزاه وأحباب سنروى حكايتها منذ نشأتها.
ومن بين الفنون التي برزت خلال العصر الفاطمي هو فن النحت، على الرغم من أن النماذج التي خلفتها فترة العصر الفاطمي إلا أن تلك النماذج تميزت بطابع مميز، ومن بين تلك النماذج هي كتلة من الرخام رسم عليها "سبع" منقوشًا نقشًا كبير البروز، إذ يخيل للمشاهد أن هذا السبع يزحف ببطء، وهو ما يدل على ذقة الرسم وبيان العضلات، وصلابة المظهر، ما يدل على مدى البراعة التي بلغها الفنانون المصريون من حيث دقة رسم ونحت الإنسان أو الحيوان أو الطيور.
هذا بالإضافة إلى وجود العديد من الآثار التي تدل على براعة واتقان الفنان المصري، ومنها لوح من الرخام عليه زخارف نباتية ورسوم لحمام وأسماك، وبقايا شريطين من الكتابة الكوفية، وحمالة زير من الرخام على شكل سلحفاة وفي مقدمتها كتابة كوفية، ومنقوش على أحد جانبيها رسم سبعين، لهما جناحان، وكل منهم يولي ظهره للآخر، ويظهر هذا الرسم والنحت على الرخام على براعة الفنان المصري خلال العصر الفاطمي.
فقد كانت القاهرة في القرن الخامس الهجري مركزًا رئيسيًّا للصناعات الفنية المختلفة، والتي كانت تصدر على جميع أنحاء العالم، والتي تجلت في المخطوطات المذهبة والمصورة والتي تضاهي في جمالها أروع وأبلغ الفنون، ومن بين تلك التحف المخطوطة غي إنجيل يعود تاريخه إلى عام ١٠١٠ ميلاديا، وهو غني بالزخارف والألوان الزرقاء والحمراء والذهبية، كما تم العثور أيضًا على ورقة عليها رسم لرجلين في ‘طار من زخرفة مجدولة وفوقها شريط من الكتابة بالخط الكوفي ذي الزخارف النباتية مكتوب عليها «عز وإقبال للقائد أبي منصر»، ويوجد بين الفارسين زخرفة نباتية فاطمية الطراز، وفيها أوراق شجر مزهرة ورسم أربعة طيور جميلة الشكل، والفارس الأيمن في يده رمح وعلى رأسه عمامة في طرفها شريط عليه كلمة "بركة"، أما الفارس الأيسر عليه سيف مكتوب عليه "عز وإقبال" وفي يده رمح وعلى رأسه غطاء رأس غريب الشكل، كما تتدلى من وسطه أشرطة من الجلد أو النسيج تنتهى بحلي هلالية الشكل وكلا الفارسين تحيط برأسه هالة".
فقد كان الفنانون في عصر الدولة الفاطمية يتمتعون بمميزات خاصة، فقد سخر الملوك والأمراء والوزراء الأموال الطائلة للتحف الفنية التي كان يصنعها الفنانون، والتي برزت في عمائر القاهرة من مساجد والقصور التي تميزت بالفخامة والندرة في صناعتها ونقوشها، وزخارفها.