في الذكري الثالثة والعشرين لرحيل الصديق العبقري حامد العويضي لا أجد أروع مما كتبه "الأسد العويضي"، بموقع "رابطة أدباء الشام" بتاريخ 10 مايو 2008، وأعاد نشره على صفحته على "فيسبوك" الزميل والصديق حمدي جمعة.. وأعيد نشره في "البوابة" في ذكراه.
كتب الأسد العويضى عند رحيل حامد العويضى ما يلى:
(رحل حامد العويضى عن دنيانا.. قطفت زهرة يانعة من بستان صاحبة الجلالة.. شاءت إرادة الله أن تتوقف فرشاته عن الإبداع ويجف مدادها.. أن تغيب البسمة الصافية من على شفاه الحروف لتحل محلها الدموع حزنا على من طوعها، ذلك الفنان الموهوب الذى لا تستطيع أمام أعماله إلا أن تقول: ”الله الله".. حامد العويضى، ذلك الفنان العبقرى الذى لم يتهيب الحرف، بل طوعه ليصبح عنصرا تشكيليا فاعلا في إبراز جمال اللوحة الفنية، إلى درجة تصميم خط جديد أسماه ”حامد”، ولم يمهله القدر لإبداع خط جديد آخر كان سيسميه "العويضى" وذلك بالتعاون مع شركة صخر للبرمجيات، عندما لاحظ أن الكمبيوتر لا يتبع المنهج الجمالى الصحيح في الكتابة.
خمسة وعشرون عاما خلت، تفصل بين رحيل أمل دنقل ورحيل حامد العويضى، حيث عاش الاثنان آخر أيامهما قاسما مشتركا وهو اللون الأبيض في المستشفى متمثلا في الملاءات والقطن وأردية الحكيمات ذلك اللون الذى قال عنه أمل دنقل "كل هذا البياض يذكرنى بالكفن".
هذا الشاعر الجنوبى الذى أبدع له الفنان الموهوب حامد العويضى إحدى وعشرين لوحة ممثلة لشعره في ذكراه، وهى غاية في الروعة والإتقان.
والفنان الراحل حامد العويضى من مواليد اليوم الثلاثين من شهر أغسطس عام ألف وتسعمائة وسبعة وخمسين، حصل على دبلوم الخط العربى عام 1982، ثم بكالوريوس الإعلام قسم صحافة من جامعة القاهرة عام 1984 بعد ذلك حصل على دبلوم التخصص في الخط العربى والتذهيب عام 1986.
طافت لوحاته الفنية العديد من بلدان العالم، حاملة معها موهبته النادرة وحسه الفنى الرائع من خلال عدد كبير من المعارض، كمعرض طوكيو عام 1988، ومعرض مكتبة القاهرة الكبرى عام 1995، ومعرض الأكاديمية المصرية للفنون بروما عام 1996، ومعرض خان المغربى عام 1999، ومعرض فن الخط العربى بقصر الفنون – الجزيرة عام 2000، بالإضافة إلى عدة معارض أخرى بجدة والشارقة وطرابلس والمنامة.
ومن أبرز إبداعات الفنان الراحل، أنه نفذ لوحات خطية كاملة لقصيدة "محمد الدرة" للشاعر محمود درويش وأشعارًا أخرى لأمير الشعراء أحمد شوقى وشاعر النيل حافظ إبراهيم ولوحات من أقوال النفرى وابن عربى وعمر الخيام وابن الفارض، ومقولات للإمام على بن ابى طالب - رضى الله عنه - من نهج البلاغة، وجوته الشاعر الألمانى "من الديوان الشرقى"، كما أبدع الفنان الراحل بفرشاته الرشيقة عددا من "لوجوهات" الصحف والمجلات العربية مثل العربى والقاهرة والكرامة والأهرام الرياضى بالإضافة إلى تصميم شعار نقابة الصحفيين الذى يتصدر واجهة مبنى النقابة، عمل الفنان الراحل بجريدة الأهالى، ثم حط به الرحال في مؤسسة الأهرام حيث عمل مديرا فنيا لمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية.
وكم كنت أتمنى أن يبدع بأنامله الساحرة عنوان الغلاف لمجموعتى القصصية الأولى، حيث كنت قد قررت أن أسافر إليه عقب انتهاء أعمال امتحانات آخر العام ولكن إرادة الله سبقت ولا راد لها.
هذا هو الفنان الراحل حامد العويضى الذى كان سفيرا فوق العادة لوطنه ولأهله، والذى قال عنه الشاعر الأبنودى "إنه عبقرية تختفى تحت ملامح التواضع الإنسانى الكبير"، وإن كان قد رحل عنا بجسده فأعماله باقية وذكراه خالدة، وندعو الله العلى القدير أن يتغمده بواسع رحمته).
انتهي مقال الأسد العويضي، ولكني ما زلت أتذكر المعرض الأول له بعد وفاته في بيت السناري حيث كتب سماح إبراهيم:
"استضاف بيت السناري، التابع لمكتبة الإسكندرية المعرض الاستعادي الأول للخطاط المصري الراحل حامد العويضي (1957 - 2008)، الذي جاء بعد تسع سنوات من رحيله. وضم المعرض عددًا من لوحات الخط العربي متنوعة التقنيات والأساليب، وتعكس ثقافة الراحل المتشعبة وعلاقته الفريدة بالحرف العربي، الذي استطاع أن يطوعه ليقدم أعمالًا متميزة.
وكان الدكتور شاكر عبد الحميد، وزير الثقافة الأسبق قد افتتح المعرض، وقال إن أعمال الراحل حامد العويضي تتميز بخصوصية شديدة في ممارسته الفنية، خلّدت أعماله بأسلوب يميل إلى التبسيط والإتقان والاهتمام بجماليات الخط، حيث مزج فيها بين فن التصوير والرسم والموسيقى، وكان قارئًا جيدًا للشعر، ومن هنا وجدنا لوحات خطتها أنامله لشعراء من أجيال مختلفة، منهم أمير الشعراء أحمد شوقي، وأمل دنقل، والشاعر الفلسطيني محمود درويش، والنفري، وعمر الخيام، وابن عربي.
ويرى عبد الحميد أن العويضي كان أشبه بإنسان لا ينتمي إلى هذه الدنيا؛ بل أقرب إلى أن يكون روحًا جاءت إلى هذا العالم كي تترك أثرًا خالدًا فيه أو عليه ثم تغادره؛ لأنها لم تعد تحتمل ما يزخر به من زيف أو نفاق.
وطالب عبد الحميد بإنشاء متحف لأعمال العويضي، وكذلك جائزة في مجال الخط العربي باسمه، في حين أشار الكاتب الصحفي سيد محمود إلى أن العويضي كان أول من دعا إلى إقامة بينالي للخط العربي، ويشهد على ذلك العديد من المقالات التي كتبها في هذا الشأن ببعض الصحف والمجلات، وقد ترك لمسة جمالية في العنوان الرئيسي لبعض الصحف المصرية، سواء في «الدستور، والأهرام الرياضي، والأهرام العربي، وصحيفة العربي الناصري، أو القاهرة»، وكان دائمًا يقول: «يتغير رؤساء التحرير ويبقى حرفي»، مؤكدًا أن أعماله كانت محل إعجاب قامات فنية كبيرة، أولها الفنان الكبير عبد الغني أبوالعينين؛ «الأب الروحي» الأول للعويضي، الذي تلقى خبراته الأولى في المجال داخل صالة تحرير جريدة «الأهالي»، وقت أن كانت حاضنة للمواهب الكبيرة.
رحم الله حامد العويضي وخلد الله ذكراه، ورحم الله أيضًا الأديب والمعلم والمثقف الأسد العويضى، ووزير الثقافة الأسبق وأستاذ علم الجمال د.شاكر عبدالحميد، فمن مفارقات القدر أن فيروس كورونا اللعين اختطفهما فجأة، وخالص تحياتى لأسرة حامد العويضى وابنيه "صلاح وعايدة"، ولخاله الزميل العزيز محمود حامد.