دراسة: حل الصراعات وتعزيز الحوار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لمواجهة العنف
تعد قضية مكافحة الإرهاب العابر للحدود أحد أبرز القضايا ذات الطبيعة المركزية في القارة الأفريقية، وذلك من منظور أن استشراء الإرهاب بات يشكل أحد أبرز التحديات الأمنية الرئيسية المواجهة للنظام الإقليمي الأفريقي، وذلك انطلاقًا مما يشكله من تهديدات ومخاطر للكيان القانوني للدولة الوطنية وواقع التنمية في أفريقيا على نحو ما هو وارد في إطار أجندة أفريقيا ٢٠٦٣، وهو ما تفاقم بشكل كبير ولاسيما مع تنامي ظاهرة الإرهاب العابر للحدود، حيث باتت أنشطة الجماعات الإرهابية غير قاصرة على الحدود السياسية للدول الأفريقية فحسب فطبيعتها أصبحت عابرة للحدود، من قبيل حركة الشباب المجاهدين في إقليم شرق أفريقيا، وجماعة بوكو حرام في إقليم غرب أفريقيا، وجيش الرب للمقاومة في إقليم وسط أفريقيا، وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي وغيرها.
وذكرت دراسة لمركز فاروس للدراسات الأفريقية، أنه ترتيبًا على ما سبق تصبح مسألة الاستجابة النابعة من الدول الأفريقية لمواجهة التهديدات المصاحبة للإرهاب العابر للحدود مسألة ذات أولوية قصوى لواقع ومستقبل هذه الدول، والمرتبطة بالأساس بكثافة التفاعلات التعاونية الأفريقية البينية القائمة على تفعيل مبدأ "الحلول الأفريقية للمشكلات الأفريقية"، وذلك على نحو يشكل معه الضمانة الحقيقية للتعامل الجاد والفعال مع هذا التحدي شديد الخطورة على منظومة السلم والأمن الإقليميين في أفريقيا، ولذا فإن هذه الدراسة تستهدف التركيز على الاستجابة الأفريقية لمكافحة الإرهاب العابر للحدود وذلك عبر التركيز على جملة من المحاور الرئيسية والمتمثلة فيما يلي:
مفهوم مكافحة الإرهاب
يمكن تبني مفهوم مكافحة الإرهاب وفقًا لما ورد في إطار الإستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب Global Counter-Terrorism Strategy، والتي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في ٨ سبتمبر ٢٠٠٦م، لتعد بمثابة أداة عالمية لتعزيز الجهود الوطنية والإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب، واتفقت في إطارها الدول الأعضاء على تبني اقتراب عملياتي واستراتيجي مشترك لمواجهة الإرهاب، وقد جاءت في صورة قرار ومرفق به خطة عمل، وتقوم الجمعية العامة بمراجعة هذه الإستراتيجية كل عامين، بحيث يتم جعلها أكثر اتساقًا مع أولويات مكافحة الإرهاب المتعلقة بالدول الأعضاء، وترتكز هذه الإستراتيجية على أربع دعامات رئيسية تتمثل فيما يلي..
معالجة الأوضاع المؤدية إلى انتشار الإرهاب، والتي تتضمن في إطارها كلا من مواجهة الانجذاب للإرهاب، منع وحل الصراعات، تعزيز الحوار والفهم، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
إجراءات منع ومكافحة الإرهاب، والتي تتضمن في إطارها كل من أنشطة فرض القانون والسيطرة على الحدود، أنشطة منع الهجمات عبر أسلحة الدمار الشامل، أنشطة مكافحة تمويل الإرهاب، فضلًا عن أنشطة حماية البنية التحتية الرئيسية.
إجراءات بناء قدرة الدول لأجل منع ومكافحة الإرهاب وتدعيم نظام الأمم المتحدة في هذا الشأن وتتضمن في إطارها تسهيل التنفيذ المتكامل للإستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب، تسهيل تنفيذ الأطر الدولية والقانونية، وتقديم المساعدات القانونية.
إجراءات تعزيز احترام حقوق الإنسان وحكم القانون كأساس لمواجهة الإرهاب، وتتضمن في إطارها التدريب وبناء القدرات بشأن فرض القانون الخاص بحقوق الإنسان ومنع الإرهاب وحكم القانون، دعم ضحايا الإرهاب، والأطر المرجعية لحقوق الإنسان الرئيسية.
الاستجابة الأفريقية لمكافحة الإرهاب العابر للحدود
وتابعت الدراسة أنه يوجد ثمة جملة من الأطر الناظمة للاستجابة الأفريقية المشتركة لمنع ومكافحة الإرهاب والتي تعود جذورها إلى مطلع عقد التسعينيات من القرن العشرين، فعلى المستوى القاري تبنت منظمة الوحدة الأفريقية قرارًا في إطار الجلسة العادية (٢٨) المنعقدة في (داكار) بالسنغال في عام ١٩٩٢م بشأن تقوية التعاون والتنسيق بين الدول الأفريقية وذلك بشأن محاربة المنظمة لظاهرة التطرف والإرهاب، كما تبنت المنظمة "إعلان قواعد السلوك للعلاقات الأفريقية البينية" في إطار الجلسة العادية (٣٠) المنعقدة في (تونس) وذلك في يونيو ١٩٩٤م، والذي رفضت المنظمة من خلاله كافة أشكال التطرف والإرهاب واعتبرتها بمثابة أعمال إجرامية، وأكدت على ضرورة تعزيز التعاون من أجل مكافحة الإرهاب.
وتمثل اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية لمنع ومكافحة الإرهاب المرجعية القانونية الرئيسية للاستجابة الأفريقية المشتركة لمكافحة الإرهاب في أفريقيا، والتي تم تبنيها في (الجزائر) في ١٤ يوليو ١٩٩٩م ودخلت حيز النفاذ في ٦ ديسمبر ٢٠٠٢م، والتي قدمت تعريفيًا لمفهوم الإرهاب وأكدت على تعزيز التعاون البيني الأفريقي بشأن منع ومكافحة الإرهاب وفقًا للتشريعات والإجراءات الوطنية، وتلا ذلك تبني الاتحاد الأفريقي جملة من الأطر لدعم الاستجابة الأفريقية المعنية بمنع ومكافحة الإرهاب، والمتمثلة في خطة عمل الاتحاد الأفريقي المتعلقة بالاجتماع الحكومي رفيع المستوى بشأن منع ومكافحة الإرهاب والتي صدرت في (الجزائر) وذلك في الفترة (١١- ١٤) سبتمبر ٢٠٠٢م، والتي حددت ثلاث آليات لمنع ومكافحة الإرهاب في أفريقيا والمتمثلة في مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، مفوضية الاتحاد الأفريقي والمركز الأفريقي للبحوث والدراسات المتعلقة بالإرهاب.