تتفرد مدينة القاهرة بسحر خاص، تجذب إليها القلوب قبل العيون، عجز المؤخرون والمستشرقون على وصفها، فكل من يأتى إليها يأبى الرحيل، وكأنها «النداهة» التى تشدو بصوتها العذب لتجذب إليها كل من تخطو قدمه عليها، فهى مزيج من العبقرية والجنون، أما لياليها فلها مذاق خاص، التجوال في شوارعها حتى مطلع الفجر، فهى المدينة التى لا تنام. وعلى مدى شهر رمضان المبارك سنروى حكاية تلك المدينة الساحرة، أم المدن، «القاهرة» سنتحدث عن مساجدها، وكنائسها ومبانيها، وحكايات أشخاص عاشوا فيها، وغزاه وأحباب سنروى حكايتها منذ نشأتها.
تميز شهر رمضان بطبيعة خاصة خلال العصر الفاطمي والذي تجسد في الاحتفال به من قبل بدايته، فكانت ليلة النصف من شعبان مشهودة، وكان المقرئون يسيرون على طول الطريق إلى جامع عمرو بن العاص حيث يقرأون القرآن الكريم وكانت الحوانيت مزينة بأواني الذهب والفضة، وكان القاضي يتفقد كل جوامع القاهرة والفسطاط ويوفر لها الفرش والإضاءة وإصلاح ما يمكن إصلاحه، وفي أول أيام رمضان يمر موكب الخليفة بصحبة الوزير والحرس الخاص بشوارع القاهرة ويكون بانتظاره أمام المسجد وبيده المصحف الشريف حيث يقبله الخليفة عدة مرات.
وأثناء مرور الموكب كان الخليفة يعطى دينار لموظفي كل مسجد يمرون عليه في طريقهم إلى القصر، وكان يلقي الخليفة الخطبة ويصلي بالناس وبعد انتهاء الصلاة، توزع الدنانير كلا حسب مهامه فللنائب في الخطاب ثلاثة دنانير، وللنائب في الصلوات الخمس نفس المبلغ، أما المؤذنون فقد خصصت لهم أربعة دنانير، ولصبيان بيت المال ديناران وللقراء رسوم خاصة.
ويقول المقريزي: "كان في أول يوم من شهر رمضان يرسل لجميع الأمراء وغيرهم من أرباب الرتب والخدم لكل واحد طبق ولكل واحد من أولاده ونسائه طبق فيه حلوى وبه صرة من ذهب ويقال لذلك غرة رمضان".
وتقام الموائد في شهر رمضان في الجوامع حيث يتناول الناس فطورهم، ثم صارت في عهد الخليفة العزيز تعمل الأسمطة بجانب مقر الشرطة بمدينة الفسطاط حيث يفطر الناس عليها وعلى نفقة الدولة وذلك طوال الشهر الكريم.
ويقوم بعض الوزراء باستضافة أهل العلم والفقهاء، والفقراء وتقدم الأطعمة والتي يضاف فيها الدراهم، وبعد مائدة الفطور كانت تقام مائدة السحور التي يحضرها الخليفة وشهود الاحتفال الديني وبعد انتهاء السحور كانت توزع الحلوى والقطائف، كما توزع العطايا والأموال على رجال الدولة، وكذلك توزع أطباق عديدة بها أصناف من الحلوى الفاخرة على الأمراء وأرباب الرتب والخدم فلا يبقى أمير ولا مقدم إلا يأتيه طبق من ذلك هو وأولاده ونسائه.
كما كانت تباع اللعب والعرائس والشموع ذات الأحجام المختلفة والفوانيس المضاءة بالشموع حيث يحملها الصبية وهم في طريقهم إلى المساجد، وكان ينفق في شهر رمضان مبالغ كبيرة.
وكان يلقى الخلفاء الفاطميون ثلاثة خطب خلال شهر رمضان، ويستريحون جمعة واحدة والتي أطلق عليها "جمعة الراحة"، وكان الخليفة الحاكم يصلي بالناس جمعتين في رمضان وأحيانا يصلي الجمع الأربعة فكان يخرج في الجمعة الثانية إلى جامع الحاكم مرتديا ملابس بيضاء احتراما للصلاة، وكانت توزع أكياس الصدقة أثناء موكب الخليفة وفي الجمعة الثالثة يصلى بالجامع الأزهر والرابعة يصلى في الجامع العتيق وكانت مظاهر الزينة في الطرقات
يذكر أن الخليفة الحاكم كثرت اقطاعاته للناس حتى خرج عن الحد، وكما يجرى الاحتفال في اليوم التاسع والعشرين من الشهر الكريم حيث يعطى الأمر للمقرئين والمؤذنين بزيادة عملهم في كل ليلة من رمضان فيتم ختم القرآن وبعدها توزع عليهم الدنانير والدراهم وتقدم لهم القطائف والحلوى.