تحت مظلته الواسعة، وعلى خشبته المثيرة، تجتمع فنون التمثيل والرقص والغناء والأداء والتلحين والموسيقى، والمناظر والديكور؛ لذا كان المسرح أبو الفنون، وخلال رحلته الطويلة شهدت خشبته مجموعة من الرائدات منذ مراحله المبكرة، اللاتى قدمن بدورهن تراثًا خالدًا سيبقى على مر الزمان.
المؤرخ المسرحى د. عمرو دوارة اختص «البوابة نيوز» بموسوعته الجديدة غير المسبوقة، التى تحمل عنوان «سيدات المسرح المصري». التى لم تنشر حتى الآن؛ حيث تضم السيرة الذاتية والمسيرة المسرحية لـ150 رائدة، منذ بدايات المسرح الحديثة 1870 حتى 2020، والمصحوبة بصور نادرة سواء شخصية أو لعروضهن المسرحية، وقد نجحن في المساهمة بإبداعهن في إثراء مسيرة المسرح المصري. ويصبح لنا السبق في نشر 30 رائدة مسرحية على مدى ليالى رمضان الكريم، بهدف القاء الضوء على رائدات المسرح المصرى بمختلف تصنيفاته، وتكون بداية هذه السلسلة بالسيدات اللاتى برعن في تجسيد دور «الأم» لأهمية هذه الشخصية المحورية في الحياة بصفة عامة والدراما العربية بصفة خاصة.
برعت الفنانة وداد محمد عيسوي زرارة، المشهورة بـ"ودارد حمدي، ابنة محافظة كفر الشيخ، في تجسيد أنماط عدة بصورة كوميدية محببة منها شخصيات: الخادمة الثرثارة، الشغالة التي تصل بين الحبيبين، العانس، الخاطبة، الدلالة، زوجة الأب القاسية، وكذلك الحماة المتسلطة ذات الشخصية القوية، وتعد الأنماط الكوميدية بصورتها التقليدية بالأعمال الدرامية من الأدوار التي تمتد جذورها إلى الكوميديا الشعبية، فكان والدها يعمل بشركة غزل المحلة، ولكن عشقها للفنون وتعلقها بالغناء والتمثيل دفعها في بداية أربعينيات القرن الماضي إلى الانتقال والإقامة بالقاهرة، والعمل كمغنية في كورس أحد الملاهي الليلية، وكانت بدايتها بالتمثيل ١٩٤٣ عندما انضمت لفرقة "المصرية للتمثيل والموسيقى" والمشاركة بالغناء مع مجموعة "الكورس"، ثم تحولت إلى التمثيل بأوبريت "شهرزاد" بدلا من عقيلة راتب، حسبما ذكر الدكتور عمرو دوارة، لتهجر الغناء بعد ذلك تدريجيا، وشاركت في مسرحية "عزيزة ويونس".
وذكر دوارة أنها استطاعت أن تصقل موهبتها في التمثيل، وتكتسب كثيرًا من الخبرات بانضمامها لفرقة "الطليعة"، التي أسسها الفنانان: "محمد توفيق، محمود السباع" بعد عودتهما من البعثة الدراسية بإنجلترا، شاركت في تقديم بعض الأدوار الرئيسية بالمسرحيات العالمية منها: "فاوست لمارلو، المفتش العام" لجوجول، "أفول القمر" لجون شتاينبك، فالتحقت بمعهد التمثيل ١٩٤٤، ولكنها لم تستطع أن تكمل دراستها لانشغالها بالأعمال السينمائية، والمسرحية، فاضطرت لتركه بعد عامين، فكانت بداية انطلاقها الفني ١٩٤٥ عندما قدمها المخرج بركات بفيلم "هذا جناه أبي"، فهي فنانة متميزة ومن الوجوه الفنية التي تتمتع بخفة الظل والقدرة على تحقيق ذلك التواصل المنشود مع المشاهد بمختلف فئاته وطبقاته الاجتماعية، ويحسب لها مشاركتها فيما يقرب من خمسمائة عمل فني بمختلف القنوات الفنية، وإصرارها على تقييد المخرجين لها بترشيحها لأداء شخصيات نمطية محددة، وبالفعل نجحت في إثبات قدراتها على أداء مختلف الشخصيات الدرامية، وإجادتها في تقديم الأدوار التراجيدية بنفس درجة الكوميدية.
يوضح دوارة، أنها تزوجت أكثر من مرة، ومن أزواجها الفنانون "محمد الموجي، محمد الطوخي، صلاح قابيل"، واعتزلت الفن في الستينيات بسبب زواجها، ولكنها عادت مرة أخرى للمشاركة الفنية عندما أخرجتها من عزلتها الفنانة وردة لتشاركها بالتمثيل في أوبريت "تمر حنة"، ومن أشهر مسلسلاتها: "غوايش، حكايات هو وهي، أبواب المدينة "ج٢،١"، أزواج لكن غرباء، ليالي الحلمية "ج٣"، لعبة الفنجري، سر الأرض" وغيرها، إلى جانب المسلسلات الإذاعية منها: "خطيبة إسماعيل يس، مطلوب حرامي، كله إلا كده، زعبوط الخديوي، أنت إللي قتلت بابايا، حسن ونعيمة، زقزوق وأولاده في العيد" وغيرها؛ فكانت نهايتها مؤلمة حيث قتلت في ٢٦ مارس ١٩٩٤ على يد ريجسير، قام بطعنها خمسا وثلاثين طعنة في العنق والصدر والبطن، وتمت إدانته وإعدامه لاحقا.
خلقت "حمدي" لنفسها مساحة مميزة في العديد من الأفلام المهمة، التي شارك ببطولتها نخبة متميزة من كبار النجوم، فقدمت ما يقرب من مائة وخمسين فيلمًا خلال الفترة من ١٩٤٥ إلى ١٩٩٦، منها: "نور الدين والبحارة الثلاثة، عنتر وعبلة، الشاطر حسن، العيش والملح، شاطئ الغرام، المليونير، الأفوكاتو مديحة، حماتي قنبلة ذرية، إديني عقلك، الحموات الفاتنات، كدبة أبريل، بنات حواء، الآنسة حنفي، أربع بنات وضابط، لحن الوفاء، سواق نص الليل، حسن ونعيمة، أم رتيبة، ليلى بنت الشاطئ، إشاعة حب، السفيرة عزيزة، جوز مراتي، عنتر بن شداد، الزوجة ١٣، ألمظ وعبده الحامولي، الأيدي الناعمة، غراميات عازب، الأزواج الشياطين، أفواه وأرانب، ولاد الإيه، يا عزيزي كلنا لصوص، الصاغة" وغيرها.
أما المسرح فانضمت في بداية حياتها الفنية لفرقة "المسرح القومي"، واستمرت بالعمل بها لعدة سنوات، ثم انتقلت بعد ذلك للعمل بعدة فرق أخرى من أهمها: "مسرح الطليعة"، "المسرح الحر"، "أنصار التمثيل والسينما"، "الريحاني" حتى أصبحت إحدى الدعائم الأساسية لكل منها، كما شاركت مع عدة فرق خاصة أهمها: "عمر الخيام" و"الهنيدي"، والمتتبع لمسارها المسرحي يمكنه رصد مشاركتها لكبار النجوم ببعض الأدوار الرئيسية المتميزة والبطولة الثانوية بعدد كبير من المسرحيات المتميزة بكبرى الفرق المسرحية.
كما قدمت مع فرقة "المسرح القومي" مسرحيات: "شهرزاد" ١٩٤٤، "عزيزة ويونس، سكرتيرها الخاص" ١٩٤٥، "ليلة من ألف ليلة" ١٩٤٩، "أم رتيبة" ١٩٥٢؛ ومع فرقة "المسرح الحديث" عروض: "ثورة قرية، الطريق المسدود" ١٩٦٢، "أختي سميحة، روض الفرج" ١٩٦٣، "سيد درويش، طربوش للبيع" ١٩٦٥؛ ومع فرقة "المسرح العالمي" عرضي: "الخاطبة" ١٩٦٤، "بلدتنا" ١٩٦٥؛ ومع "المسرح الكوميدي" عرض "عطوة أفندي قطاع عام" ١٩٦٩؛ ومع فرقة "الطليعة" مسرحيات "فاوست" ١٩٤٣، "المفتش العام" ١٩٤٤، "أفول القمر" ١٩٤٥؛ ومع "المسرح الحر" عروض: "حسبة برما" ١٩٥٣، "المغماطيس" ١٩٥٥، "الناس إللي تحت" ١٩٥٦؛ ومع "أنصار التمثيل والسينما" مسرحيتي: "٢٤ ساعة جواز" ١٩٥٥، "كسبنا القضية" ١٩٦٠؛ ومع فرقة "الريحاني" مسرحيات: "الستات ما يعرفوش يكدبوا" ١٩٦١، "الدنيا لما تضحك، مين ما يحبش زوبة" ١٩٧٨، "واحد لقى شقة" ١٩٧٩؛ ومع "عمر الخيام" عروض "تمر حنة، لعبة اسمها الحب، إنهم يقتلون الحمير" ١٩٧٤؛ "٢٠ فرخة وديك" لفرقة "الهنيدي" ١٩٧٦، "عشرة على باب الوزير" لفرقة "الفور إم" ١٩٨٤، إلى جانب بعض "المسرحيات المصورة" التي من بينها: "الجيل إللي جاي، صورة ملهاش أصل، الأستاذين محسن، حلوة يا دنيا، ليلة من ألف ليلة، قمبيز".
وقد تعاونت "حمدي" من خلال مسرحياتها مع نخبة من المخرجين الذين يمثلون مختلف الأجيال المعاصرة لها من بينهم: "زكي طليمات، فتوح نشاطي، أحمد علام، السيد بدير، محمود السباع، محمد توفيق، نور الدمرداش، إبراهيم سكر، محمد توفيق، محمود السباع، كمال يس، كامل يوسف، محمود مرسي، عبدالمنعم مدبولي، جلال الشرقاوي، حسن عبدالسلام، السيد راضي، سمير العصفوري، حسين كمال، محمود مختار، إبراهيم السيد، روبير صايغ، فهمي الخولي، عبدالغني زكي، عادل صادق".