أول من استخدم مصطلح الدولة الرخوة هو الاقتصادى السويدى (جونار ميردال) الحاصل على جائزة نوبل فى الاقتصاد ١٩٧٤، فى كتابه "الدراما الآسيوية- بحث فى فقر الأمم" والذى نشر عام ١٩٦٨.
ويقصد ميردال بالدولة الرخوة لأن لا أحد يحترم القانون، الكبار لا يبالون به، لأن لديهم من المال والسلطة ما يكفى ليحميهم منه، والصغار يتلقون الرشاوى لغض البصر عنه، ورخاوة الدولة تشجع على الفساد، وانتشار الفساد يزيدها رخاوة، والفساد ينتشر فى السلطتين التنفيذية والتشريعية، حتى يصل إلى القضاء والجامعات، ويصبح الفساد فى ظل الدولة الرخوة "إسلوب حياة"
وأهم سمات الدولة الرخوة، بصفة عامة، كما حددها ميردال هى:
تراجع مكانة وهيبة الدولة داخليا وخارجيا.
عدم احترام القانون، وضعف ثقة المواطنين بالقوانين، فمع وجود منظومة قانونية متقدمة إلا أنها تبقى من دون تطبيق، إلا فى حالات محددة، حيث يمكن استخدامها لمعاقبة مناهضى الفساد، أو المطالبين بحقوقهم، أو المجرمين واللصوص من الطبقات المسحوقة.
وجود مؤسسات حكومية أكثر من اللازم وبدون دور واضح إلى درجة تتداخل وتتشابه معها صلاحيات المؤسسات وهدفها خلق مناصب المحسوبين.
تفشى الفقر والتخلف لغياب العدالة الاجتماعية، وضعف التنمية أو غيابها.
استشراء الفساد بكافة أشكاله، ونهب المال العام، والتهرب الضريبى الجمركى.
التبعية للخارج وفقدان الدولة سيطرتها على جزء كبير من قرارها الداخلى.
ارتباط مصالح النخب السياسية بالمؤسسات الدولية.
إنهيار البنية التعليمية المدرسية والجامعية.
الاعتماد على الخارج وعدم الاعتماد على القدرات الذاتية.
الانحياز إلى الأغنياء وإفقار الفقراء وتحميلهم فواتير الفساد والقرارات الخاطئة.
عدم احترام حقوق الإنسان وكرامة الناس.
وفى دراسته المنشورة فى 2011 عن الدولة الرخوة.. والدولة القوية التى الحقها بكتابه "الدولة الرخوة فى مصر" يقول المفكر جلال أمين:
إن السبب الأساسى فيما طرأ على الاقتصاد المصرى من تدهور، خلال العقود الأربعة الماضية، هو هذا التحول بالضبط، من دولة قوية إلى دولة رخوة.
وإذا كان الأمر كذلك، فالخروج من محنتنا الاقتصادية الحالية يشترط قبل كل شىء العودة إلى الدولة القوية، والمقصود ليس العودة إلى صورة طبق الأصل من دولة الستينيات في مصر، فالعالم قد تغير، مما يجعل هذه العودة أمرا لا هو ممكن ولا هو مطلوب.
فى تلك الفترة، استطاعت مصر (كما استطاعت دول أخرى فى آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية) تأميم جزء كبير من مشروعات القطاع الخاص، وبناء قطاع عام قوى، وتطبيق نظام فعال فى دعم السلع والخدمات الضرورية، وإخضاع الاستثمار الأجنبى لقيود تمليها المصلحة الوطنية.
بدأ هذا البنيان العظيم في الانهيار بمجرد أن تراخت قبضة الدولة على الاقتصاد بحدوث هزيمة 1967. وعجزت مصر عن تحقيق الاستثمارات اللازمة، فأصبحت خطة السنوات الخمس التالية (65 ــ 1970) حبرا على ورق.
واشتد ساعد الدولة البوليسية. إذ تحولت الدولة القوية بعد 1967 إلى دولة خائفة. وقد ثبت أن شخصية أنور السادات تلائم تماما هذا التحول من الدولة القوية إلى الدولة الرخوة، وسرعان ما ظهر هذا فى الاقتصاد كما ظهر فى غيره.
أصبحت دولته، ليست مجرد دولة أكثر انفتاحا على العالم، بل دولة رخوة بكل معنى الكلمة. كان الانفتاح استهلاكيا وليس انفتاحا إنتاجيا. الهدف منه تشجيع الاستهلاك لا تشجيع الإنتاج.
وزادت رخاوة الدولة شيئا فشيئا مع مرور السنوات في عهد السادات، واستمرت رخاوتها فى الزيادة فى عهد حسنى مبارك، سواء إزاء القوى الخارجية ذات المصلحة أو إزاء الطبقة الجديدة فى مصر، حتى وصل الاقتصاد المصرى إلى ما هو عليه.
ومن موقع "الغد" نقرأ عن تحولات الدولة الرخوة إلى دولة كومبارس، فالدولة الرخوة تمهد إلى انزلاق آخر، باتجاه ما يسمى بـ”الدولة الكومبارس” بصورة أدق شبه الدولة الكومبارس والتى نعثر عليها فى أروقة الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن، جاهزة للتصويت على كل القرارات المدعومة من الإمبراطورية الأمريكية، أو ما سماها محمد حسنين هيكل ”الدولة الكاسحة".
هذه الدولة الكومبارس كثيرة حولنا وتعيش فى حالة رعب من الخارج، وتنتقل بالتالى من دولة الكومبارس إلى خانة الدولة المرعوبة.