خليل عبد الكريم لمن لا يعرفه كاتب مصري ليبرالي، ألف كتبًا كثيرة حول تاريخ الإسلام وخاصة الفترات الأولى منه. ولد خليل عبد الكريم ١٩٣٠ في محافظة أسوان وتوفي ١٤ أبريل ٢٠٠٢، درس القانون في جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًا) وتخرج فيها سنة ١٩٥١. عمل عبد الكريم محاميًا وقضي أغلب حياته في القاهرة في حي الدقي، كما كان يعمل في حي بولاق الدكرور. كان خليل محاميًا مشهودًا له بالكفاءة، وتولى الدفاع عن زميله نصر حامد أبو زيد عندما اتهم بالكفر وقدم أسانيد عديدة في الدفاع عن كتبه وأفكاره أمام المحكمة.
تعرض الشيخ خليل عبد الكريم لهجوم لاذع من طرف المؤسسة الدينية الأشهر في العالم العربي والإسلامي (الأزهر الشريف)، بسبب كتابه الأكثر إثارة للجدل (فترة التكوين في حياة الصادق الأمين). وقد بدأ خليل عبد الكريم حياته في صفوف جماعة الإخوان المسلمين، ولكنه بدأ يبتعد تدريجيا عنهم، ويسلك طريقا هو النقيض.
لقد انتقل من صفوف الإسلاميين، وبدأ يقترب رويدا رويدًا من الرؤية اليسارية، وقد كان من المؤسسين لمنبر اليسار عام ١٩٧٦م قبل أن يتحول إلى حزب «التجمع الوطني التقدمي الوحدوي» حيث أصبح أحد قادة الحزب، وأحد مسئولي الاتجاه الديني فيه!
كان أول كتبه بعنوان "الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية"، ثم وضع ثلاثة عشر كتابًا تناول فيها جوانب مختلفة من الحياة الإسلامية، من أهمها "النص المؤسس ومجتمعه" في مجلدين، و"شدو الربابة في أحوال الصحابة" في ثلاثة مجلدات، و"فترة التكوين في حياة الصادق الأمين" عن حياة النبي محمد.
وكان يؤكد أن مشروعه يسعى لإعادة صياغة التاريخ الإسلامي ووضع الفرد المهتدي بالدين، والرسالة في المجتمع ضمن سياقها البيئي وتطورها المعرفي المرتبط ببعدي الزمان والمكان. وكان يرى أن الظاهرة الدينية في نشأتها ترتبط بالمكونات البيئية وما تحويه من عادات ومعتقدات وطقوس تشكل سياقًا اجتماعيًا مهيمنًا، يتداخل سلبًا أو إيجابًا في بناء المنظومة التي جاء بها النبي أو تجيء بها الرسالة.
وقد تطرق لذلك في كتابه "الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية"، وقد حاول أن يربط فيه بين تعاليم الرسالة المحمدية وما كان سائدًا من نظم اجتماعية في عصر قبل الإسلام.
ولم يتوقف خليل عبد الكريم عند هذا الحد، بل تعداه بجرأة أكبر نحو مناطق أكثر حساسية في الثقافة الإسلامية، فكتب حول علاقة المرأة بالرجل في مجتمع يثرب، وحول قريش القبيلة والدولة، وصولا إلى "شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة"، و"فترة التكوين".
وقد رفعت عليه "هيئة كبار علماء الأزهر" قضية حسبة وطالبت بمنع كتابه "فترة التكوين في حياة الصادق الأمين" من التداول، واعتبرت في بيان لها أن ما جاء في الكتاب "كفر صريح"، وطالبت الحكومة بمعاقبته. وفي كتابه هذا حاول أن يُلقي الضوء على الفترة التي سبقت نزول الوحي على النبي محمد في مكة، وهي الفترة التي اعتبرها المؤلف، بمنهج علمى دقيق، فترة التكوين التي مكنت الرسول من أن يتلقى الرسالة وينهض بها.
وأصدر الأزهر تقريرًا حول أحد كتبه وهو "النص المؤسس ومجتمعه"، وقد بدأ التقرير بتأكيد "أن المؤلف اعتاد أن يصوغ أحقاده الشيطانية ضد الإسلام وضد كتابه العظيم ورسوله الكريم، وأصحابه الكرام البررة في شكل مطبوعات يفاجئ بها الرأي العام حينا بعد حين، وقصده من كل هذه المساعي الخبيثة أن يطفئ " نور الله" الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم.. وقد جهل هذا "الحاقد" أو تجاهل أن هذه الأمة التي صنعها القرآن منذ أكثر من أربعة عشر قرنا كتبت لها شهادة ميلاد، ولن تكتب لها شهادة وفاة حتى يرث الله الأرض ومن عليها".
يوضّح خليل عبد الكريم في مقدمة كتاب "الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية" أنّ هدفه الأساس هو نزع "القداسة الزائفة" التي طالت بعض المفاهيم، والتي يتمّ تداولها دون تدقيق أو تمحيص، من قبيل:
- القول بأنّ "الشورى هي الطبعة الإسلامية، أو هي البديل الإسلامي للديموقراطية، مع أنّ الشورى نظام وُلد في بيئة معيّنة، ثم استجدّت موجبات عديدة حتّمت تخطيه"، لا سيما فيما يتعلق بالشعائر، أو الأحوال الشخصية، أو الأمور العسكرية، أو الشئون الاقتصادية، أو النظريات السياسية، أو ما سواها. فصلاة الخوف مثلًا، أو صلاة الكسوف، أو قسمة الغنائم على المحاربين، أو تحريم التصوير ولعنة المصوّرين، أو منع سفر المرأة بغير ذي رحم محرم، أو النهي عن السفر بالمصحف خارج دار الإسلام، أو تقسيم الكرة الأرضية إلى دار إسلام ودار حرب، وما مثل ذلك، لم تعد مسايرة لتطورات واقع الحال كما يقول الكاتب.
ويتابع قائلًا: وبالتالي، فالتسليم بها، إنما هو مظهر من "مظاهر الأزمة الحادة التي يعاني منها الفكر الإسلامي المعاصر". من هنا، ضرورة الانعتاق من قيود هذه المفاهيم/المسلّمات، لأنّ من شأن ذلك أن "يثري الفكر الإسلامي، ويضيف إلى الإسلام ذاته قوة وحيوية وعافية تزيل عنه علامات الشيخوخة التي بدأت تظهر على وجهه كتجاعيد وتشققات وجفاف".
ـ والقول بأنّ "الإسلام سبق كل نظرية"، سواء في علوم التجريب أو العلوم الإنسانية، في حين أنه دين هداية وأخلاق ومواعظ..."لم يكن ضمن رسالته اختراع نظريات علمية أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية...إلخ"، بل يلاحظ الكاتب "أنّ العلماء المسلمين الذين ساهموا في صناعة الحضارة الإسلامية، لم يدّعوا أنّ ذلك تأتّى لهم من وحي النصوص (وكانوا قريبي العهد بمرحلة التأسيس)، بل تأتّى لهم نتيجة الملاحظة والتجريب والسبر والاختبار".
ـ والقول بأنّ الحريّات الشخصية والسياسية والاعتقادية والفكرية والإبداعية "مطلقة"، في الأديان الإبراهيمية الثلاثة، في حين أنها ليست كذلك، بل هي مقيّدة ومقنّنة، ولم تمنح، بل تمّ إدراكها مقابل تضحيات جسيمة.
ويخلص الكاتب، من جهة أخرى، إلى أنّ الشورى تحديدًا، كانت مرتبطة ببيئة معينة، وظهرت في مجتمع مغاير كانت ملائمة له، وأنه "قد آن الأوان للأخذ بالديموقراطية، حتى ينصلح حالنا، مثلما حدث مع الأمم والدول التي تمسكّت بها، مع الوضع في الاعتبار أنه ليس من الضروري أن تكون ديمقراطيتنا نسخة كربونية، بل ما نعنيه هو روح الفكرة وجوهرها. أمّا الأنماط، فمن الطبيعي، بل من البديهي أن تتمايز".
ثم إنّ الشورى، بنظر الكاتب، غير ملزمة، ولمّا كانت كذلك، فإنها لم تسهم في تقييد الإرادة المطلقة للحاكم، والحؤول دونه ودون التحوّل إلى طاغوت ديكتاتور. في هذه النقطة يُحذّر الكاتب من التجمّد في فهم النصوص، أو"التعبد بها"، باعتبار ذلك "الوجه المقابل لجحود فضلها، لأنه نكران للمغزى الذي استهدفته وتغيّته".