لا تحكم على الطريقة التي يتواصل بها الناس مع الله، فلكل امرئ طريقته وصلاته الخاصة، إن الله لا يأخذنا بكلمتنا، بل ينظر في أعماق قلوبنا وليست المناسك أو الطقوس هي التي تجعلنا مؤمنين، بل إن كانت قلوبنا صافية أم لا".
رحل شمس الدين التبريزي لكن دعوته للعشق الإلهي خاصة، والعشق بمعناه المطلق، ستظل باقية إلى أن يفنى أهل الهوى والصفاء الذين يؤمنون بـالعبارة الشفافة كالبلور: "إن صفا قلبك من كل شيء، صفا لك كل شيء"، وهل هناك أجمل من الصفو والسكينة والمحبة التي لا بشرط شيء؟!
الصفاء يجلب السلام، والسلام يكفينا ويلات الحروب، التي تحصد ملايين الأرواح لتحقيق انتصارات كاذبة، الانتصارات التي قالت عنها الروائية الإنجليزية ماري آن إيفانتس المعروفة بـ"جورج إليوت": "كثير من الانتصارات تكون أسوأ من الهزيمة".
"التبريزي" يعلمنا أن السعي وراء الحب، ضرورة، فهو يغيّرنا "فما من أحد يسعى وراء الحب إلا وينضج أثناء رحلته، فما أن تبدأ رحلة البحث عن الحب، حتى تبدأ تتغير من الداخل ومن الخارج".
ويقول "التبريزي" أيضا لمن يرفعون سلاحهم باسم الله في وجوه المختلفين معهم: "ما لم نتعلّم كيف نحبّ خلق الله، فلن تستطيع أن نحبّ حقاً، ولن نعرف الله حقاً".
أبى التبريزي أن يرحل دون أن يترك مشاعل الحب والوجد لتنير القلوب وتهدي التائهين في دروب الشر، هكذا فعل أيضا رفيقه جلال الدين الرومي، حينما ترك خارطة طريق يسترشد بها الباحثون عن الحق والخير والجمال: "ﻟﻴﻜﻦﺑﻬاءﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺏﻭﺟﻤﺎﻟﻪ، ﻣﺘﺠﻠﻴﺎﻓﻲﻛﻞﻣﺎﺗﻔﻌﻞ، حتى تكون كل حركاتك وسكناتك".. رحل التبريزي والرومي وهما ربما لا يعلمان أن هناك كثرًا سيسيرون على دربهما، ليعلموا الناس أن الحب أصل الأصول، به خلق الإنسان وعلى مذهبه يفنى الوجود.
"التبريزي" المشع بالحب الرافض للكراهية يرى كما جاء على لسانه في رواية "إليف شافاق" التي ضمت "قواعد العشق الأربعون" لسيد أهل الوجد : "يوجد نوع واحد من القذارة لا يمكن تطهيرها بالماء النقي، وهو لوثة الكراهية والتعصب التي تلوّث الروح".
هذا التلوث الناتج عن الكراهية كفيل بأن يفسد روح العالم ويبدد روائح الليمون واللافندر والورد البلدي لتحل محلها روائح البارود وغرف العمليات وثلاجات الموتى.
هذا التلوث المنبعث من الحقد الدفين في قلوب دعاة الحرب والفتنة هو ما جعل صانع آخر للحب يترك خارطته لعلها تجد قبولا لدى الباحثين عن الحب والمبشرين به و هو"إريك إيمانويل شميت" الذي أراد أن يعلم قراء خارطته "مسيو إبراهيم وزهور القرآن" كيفية إزالة الحواجز النفسية بين أصحاب العقائد المختلفة وتسييد روح التسامح بين البشر لإصلاح ما أفسدته الأرواح المريضة ويوضح أن العالم لن يكون آمنا دون تنحية الصراعات الدينية والثقافية بين البشر لإرساء قيم التفاهم بعيدا عن أي مرجعيات أو أفكار مسبقة قابلة للانفجار في أي آن.
رواية "شميت" غاية في البساطة والرقة ولا تنشد أكثر من قيمتها في مواجهة العنصرية الدينية والثقافية والاجتماعية عبر سرد قصة علاقة إنسانية بين صبي يهودي وعجوز مسلم لم يعرفا التعصب ولا التطرف لذا ساد بينهما الحب.
وفي ظل الصراعات التي يموج بها العالم الأن فنحن في أمس الحاجة إلى فهم حقيقي للحب كما فهمه "التبريزي " و"شميت" ورفاقهما لعل الكراهية بين المتصارعين تتحول ذات يوم إلى عناق أبدي.