الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أزمة منتصف العمر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تعرفت على الكثير من الزملاء من الرجال والنساء الذين مروا بتجربة مايعرف بأزمة منتصف العمر. التقديرات تقول ان نحو ١٠٪؜ من الرجال والنساء بين سن الخامسه والاربعين والخمسين (متوسط العمر ٤٦ سنة) قد يصابون بأزمة منتصف العمر. وأكدت بعض الدراسات أن الأشخاص الذين يمرون بهذه الازمة يفكرون في عدة موضوعات مختلفة، في شكل مراجعة للنفس، وان معظمهم يشعرون بتأنيب الضمير عند مراجعة ماضيهم. ويظن البعض منهم انه قد حان الوقت لإحداث تغييرات جوهرية على حياته، اشبه ماتكون بالعودة في الاتجاه المقابل (U turn) لكي يلحق ماتبقي من حياته والتي يعتقد أنها كانت خاطئة.
وأحمد الله انني قد تخطيت هذه السن الحرجة بنحو عشر سنوات كاملة، وانني اشعر بالرضا التام عن حياتي العملية والاجتماعية وماقدر الله ليً، وعندي يقين ان مااعطانيه الله سبحانه وتعالي أكثر بكثير مما استحق. ولذا ماكنت اشعر انني سوف اقوم بمراجعة الماضي أو النظر إلى المستقبل أو انني بحاجة إلى تغيير نمط حياتي اليومية، والذي اعتدت ان اعمل يوميا لمدة تتراوح بين ١٢و١٥ ساعة. ولكن حدث مالم يكن متوقعًا.
مع اول يوم في شهر رمضان الكريم تم التأكد من اصابتي بفيروس كورونا، وتبع ذلك فرض واقع جديد لم اتعود عليه من قبل. فمثلا طلب الأطباء ضرورة الافطار في رمضان، كجزء أساسي من العلاج، وهذا في حد ذاته كان عبئا نفسيا كبيرا حيث مرت خمسون سنة بالتمام والكمال لم افطر فيها يومًا واحدًا في شهر رمضان. الشيء الاخر الأكثر ألما كان ضرورة العزل المنزلي لفترة ٣ أسابيع متواصلة.
وخلال ساعات الليل والنهار لهذه الاسابيع الطويلة، كانت هناك أفكار كثيرة تمر بعقلي اشبه مايكون بمراجعات ذاتية، وافكار فلسفية، عن الحياة والموت، وعن فلسفة الحياة وقيمة العمل، وعن منظومة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي ندور فيها طوال هذه السنوات، وتبتلع كل حياتنا دون النظر إلى ان نتوقف للحظة لنسأل انفسنا: هل مانفعله هو الصحيح؟ وهل استمرار الحياة بنفس الطريقة هو الأفضل أم ان اشياء أخرى يجب أن نلتفت اليها ونحن نسير في طريقنا الذي اعتدنا عليه؟
فعندما تضطرك الظروف إلى النوم في السرير طوال ساعات النهار والليل، تسأل نفسك: ماذا سيحدث لو اخذت اجازة من العمل لمدة شهر في السنة مثلا، طالما انك قد اجبرتك الظروف على ان تفعل ذلك مضطرًا؟
وعندما تظل ساعات تراقب نسبة الاكسجين في الجسم وانت تستنشق الأكسجين من الأجهزة وتسأل نفسك: هل ظننت يوما انك تستنشق الأكسجين طوال حياتك بهذه البساطه والتلقائية، من الهواء الذي خلقه الله لك، دون حاجة منك إلى التفكير أو التدبر أو مجرد الالتفات إلى أن ذلك يحدث وأنت لاتدري به.
وعندما تجد نفسك محاطا بأسرة ترعاك وتسهر على راحتك وتوفر لك كل متطلبات الحياة، بحب وتفانٍ؛ تسأل نفسك: كم مرت أيام دون ان تسأل على هذه الاسرة ودون ان تشغل بالك بالسؤال عليهم أو مجرد الالتفات إلى وجودهم في حياتك.
وعندما تحاول ان تتحسس اخبار العالم من حولك، وتشاهد التليفزيون، تجد نفسك تبحث عن شيء جذاب يضيف اليك بعدًا ثقافيًا أو سياسيًا أو ترفيهيًا فلا تجد ضالتك الا في القديم الذي شاهدته منذ عشرات السنين، وجزء قليل جدا من الحديث الذي تجد فيه الفكر والمغزي أو حتى الرسالة الهادفة، وسط بحر عاتي من التفاهة والتردي الاخلاقي والثقافي من مسلسلات وبرامج لاترقي إلى مستوى تفكير الأطفال.
لقد وجدتني اتحرك بين القنوات التلفزيونية واتوقف عند قناة ماسبيرو زمان. والعمل الوحيد في دراما التليفزيون الذي لفت انتباهي هو مسلسل الاختيار ٢. أما المحطات الإخبارية وموضوع الساعة فهو أزمة سد النهضة، فلم اجد اي قناة مهتمة بالموضوع وتقدم وجهة نظر موضوعية ومحايدة إلا قناة سكاي نيوز العربية. تحية لهذه القناة والقائمين عليها وادعو الزملاء إلى متابعة هذه القناة الرائعة، فهي أكثر مهنية من غيرها، وأكثر موضوعية من الـBBC، CNN.
هذه مجرد ارهاصات فكرية ورؤي فلسفية من واقع تجربة إنسانية، وربما نعود اليها مرة أخرى بإذن الله تعالي.
وكل سنة وحضراتكم طيبين.