الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حفل للأكل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
زاد تركيزنا حول الطعام في رمضان، وربما تزايدت أفكارنا حوله، كلٌ حسب طريقته وهواه.. نحن نأكل كي نعيش لهذا نتفنن في تزيين أسباب الحياة. فالسبب الجميل غالبًا يحمل نتيجة جميلة. هذا ما أدركته مع الوقت فالأفراد يحتفلون بالطعام حتى لو كان ساندوتش فول على "عربية"، ترى البعض (يحبس) بالشاي والبعض يحتفظ بالماء المثلج وبعض الطلبة المسرعين لدروس لا أعرفها يشربون المشروبات الغازية على عجل.
والطعام يعبر عن ثقافات الدول، فيكفي في مصر أن تلتقى سائحًا حتى تجده يسألك عن (الكشري) و(الحواوشي) بل ويسألونك عن أسماء مطاعم بعينها منذ اليوم الأول لحضورهم.
عندما تراجع قوائم الطعام المصري القديم الذي اعتمد عليه الفراعنة تجد أنهم احتفلوا بالأطعمة الصحية التي تساعد على النشاط طوال اليوم، كالخبز والبقوليات والأسماك، وكانوا يحرصون على تناول الخضروات والفاكهة في صورتها الأولية حتى دون مزجها في (سلطة)، كانوا يستيقظون باكرًا ويعتبرون أن قيمة الإنسان في عمله، ومازال معظم الطعام المصري الاصلي حتى اليوم لا يحتفي بمحسنات الطعام بقدر احتفائه بسلامة وجودة المكونات، فلا تجد فيه الكثير من البهارات والصلصات اللاذعة.
إن العالم يحتفى بالطعام كأسلوب راقٍ للتعبير عن الإنسانية، حتى أنهم قدموا القهوة والشاي مجانًا للصحفيين المصريين بحكم القانون حتى وقت قريب، لأنها تحفظ تدفق الأفكار ووضوحها، كما ترى في فنيسيا حتى اليوم تقليدًا يُسمى (قهوة على الحائط) وفيه قد يدفع الرواد ثمن القهوة مرتين، مرة من أجل القهوة التي شربوها ومرة من أجل كتابة كلمة "قهوة" على ورقة تُعلق على الحائط، وحين يرغب أحد المعدمين في تناول قهوة، يجذب الورقة المعلقة على الحائط، ويستمتع بالقهوة مجانًا.
كما استخدم الطعام لإكرام الأشخاص في تقاليد ثابتة ومن ذلك أن المصري القديم كان يحمل العسل لزوج ابنته طوال الشهر الأول بعد الزواج إكرامًا له فسُمي الشهر بـ(شهر العسل).
وينقل الهنود احترامهم للطعام للبلدان التي يرحلون إليها، ففي إحدى الدول العربية وجدتُ مطعمًا هنديًا يجبر زواره على خلع الحذاء قبل دخول المطعم وتقديم التحية لإله الطعام الذي وُضع له تمثال في مدخل المطعم إن لم يكن هندوسيًا، ولو كان هندوسيًا فإنه يصلي صلاة قصيرة للإله، ثم يأتي الطعام وكلما أنهيت الأطباق يملؤها النادل تلقائيًا حتى تخبره أنك شبعت بثمن طبق واحد فقط مما تطلب، ثم تشرب الشاي باللبن وترحل.
ما أريد قوله أننا لو استطعنا أن نجعل من وقت الطعام حفلًا صغيرًا ربما نتعلم حينها أن السبب الجميل للحياة يدفعنا فعلًا لصنع الحياة الجميلة، اصنعوا حفلاتكم الصغيرة كل يوم وتذكروا حارسًا أقصريًا أسمر ينتظر كوب شاي حبر صعيدي في ركوة على جمر طويلًا في برد الليل حتى يحتفل بالشاي.