بعد صراع مع المرض، وعن عمر يناهز نحو 75 عامًا رحل عن عالمن امدحت فقوسة أحد الرموز التاريخية للنادي المصري والمدير الفني لمنتخب مصر العسكري الحاصل على بطولة العالم التي أقيمت بالمغرب عام 1993، ومن خلال السطور التالية نقدم أبرز المحطات في حياة النجم الراحل مدحت فقوسة.
ونشر الموقع الرسمي للنادي أهم المحطات في حياة الراحل، حيث ذاع صيت مدحت فقوسة منذ الصغر بمهارته الفائقة في مداعبة الكرة وكذلك سرعته منقطعة النظير فتلقفته العين الخبيرة لنجم المصري الراحل الكابتن عادل الجزار الذي ضمه إلى فريق الأشبال مطلع الستينيات بصحبة عدد كبير من رفاقه والذين صاروا نجوم المصري ونالوا شرف الدفاع عن ألوانه خلال حقبتي الستينيات والسبعينيات.
لم يكد نجمنا الراحل يبلغ الثمانية عشر عامًا إلا وضمه المدير الفني اليوغسلافي للمصري “كوكيزا” لصفوف الفريق الأول ليجد نفسه محاطًا بعدد كبير من النجوم يتقدمهم محمد بدوي “فتاكة” ومحمد شاهين وعبد الرءوف رزق ومنير جرجس الليوي ومصطفى الشناوي وغيرهم من النجوم الذين أحاطوا نجمنا الراحل بقدر كبير من الرعاية والاهتمام تقديرًا لموهبته الفائقة.
لفت مدحت فقوسة الأنظار بشدة وعرفته جماهير الكرة المصرية عندما تألق بشدة في مباراة المصري والأهلي بالجولة التاسعة للدوري موسم 1965/1964 والتي أقيمت على ستاد المصري ببورسعيد في الخامس عشر من يناير عام 1965 والتي نجح فيها المصري في الفوز بهدفين للاشئ، وقدم الناشئ الصغير مدحت فقوسة مستوى رائع خاصة بعد نجاحه في اهداء زميله محمد شاهين هدف تأكيد الفوز لتحمله جماهير المصري على الأعناق فرحًا بمولد نجم جديد من أبناء الباسلة.
نجح مدحت فقوسة خلال هذا الموسم ( 1965/1964) في احراز أول أهدافه مع المصري في مباراته أمام السكة الحديد التي أقيمت على ستاد المصري ببورسعيد في التاسع من مارس عام 1965 وانتهت بفوز المصري بهدفين مقابل هدف فيما أضاف زميله محمد بدوي الهدف الثاني بينما تكفل كمال عتمان باحراز هدف السكة الحديد الوحيد، قبل أن يعود فقوسة أيضًا ليحرز هدف الفوز لفريقه على مضيفه فريق القناة في المباراة التي أقيمت بالإسماعيلية في الثاني عشر من مارس من العام نفسه لتتعالى الأصوات داخل بورسعيد مطالبة بضم نجمها لصفوف منتخب مصر نظرًا لما يقدمه من مستوى عال وسط كتيبة النجوم التي كان يذخر بها المصري آنذاك.
ومع مطلع الموسم التالي يلتحق مدحت فقوسة بالكلية الجوية فيضطر للانتقال للقاهرة وهو ما كان يصعب عليه الانخراط في تدريبات المصري ومبارياته فيحصل على الاستغناء للانضمام لصفوف فريق الطيران والذي لعب له لموسمين قدم خلالهما مستوى طيب للغاية، إلا أن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن وذلك بعد قيام عدوان يونيو 1967 والذي تسبب في ايقاف المسيرة الكروية ولو مؤقتا لنجمنا الراحل في وقت لم يتجاوز فيه الحادية والعشرين من العمر.
ومع عودة النشاط الكروي مرة أخرى مطلع موسم 1972/1971 ينضم مدحت فقوسة لصفوف النادي الأهلي ليكون واحدًا من الجيل الذي أطلق عليه الناقد الكبير نجيب المستكاوي ” جيل التلامذة ” والذي نجح في حصد العديد من البطولات للنادي الأهلي خلال النصف الثاني من السبعينيات.
ومع مطلع موسم 1976/1975 يقرر النجم مدحت فقوسة العودة مرة أخرى إلى موطنه فيعود للنادي المصري حاملًا شارة القيادة لجيل عظيم، حيث نجح خلال هذا الموسم في احراز هدف وحيد للمصري في شباك فريق الاتحاد السكندري في المباراة التي أقيمت بينهما على ستاد المصري ببورسعيد في التاسع عشر من يناير عام 1976 وانتهت بفوز المصري بهذا الهدف.
وبنهاية موسم 1977/1976 يقرر النجم الراحل مدحت فقوسة الاعتزال، فيتم تكليفه من قبل مجلس إدارة النادي المصري بالإشراف على تدريب فريق الشباب تحت 16 عامًا وهو الفريق الذي نجح فقوسة في قيادته للفوز ببطولة منطقة القناة.
وحرصًا منه على صقل خبراته التدريبية بالعلم والدراسة، يحصل نجمنا الراحل مدحت فقوسة على العديد من الدورات التدريبية داخل وخارج مصر، حيث سافر خصيصًا إلى انجلترا والبرازيل للاطلاع على العلوم الحديثة في مجال التدريب.
وبعد عودته يعمل النجم مدحت فقوسة لفترة معاونًا للكابتن عادل الجزار في قيادة الفريق الأول للكرة بالنادي المصري قبل أن يتم اختياره من قبل مجلس إدارة النادي المصري للعمل مساعدًا للمدير الفني المجري الأسطوري فيرينتس بوشكاش والذي تولى قيادة المصري مطلع موسم 1980/1979.
ويستمر مدحت فقوسة في العمل مع بوشكاش للعمل لنحو ثلاثة مواسم نجح خلالها الفريق في حصد المركز الثالث لموسمين متتاليين 1980/1979، 1981/1980، وكان المصري خلال تلك الفترة قريبًا من حصد بطولة الدوري موسم 1982/1981 لولا أحداث مباراة الزمالك ببورسعيد والتي ابتعدت بالمصري عن المنافسة.
ويستمر فقوسة في العمل مساعدًا لعدد من المديرين الفنيين الأجانب قبل أن يقرر الراحل العظيم الأستاذ السيد متولي تكليفه بقيادة الفريق الأول للمصري موسم 1988/1987، والذي نجح فيه فقوسة إلى قيادة المصري للوصول لدور الثمانية من بطولة كأس مصر بعد الاطاحة بالأهلي في مباراة دور الستة عشر التي أقيمت على ستاد القاهرة في الأول من يوليو عام 1988 والتي انتهت بفوز المصري بركلات الترجيح بعد نهاية المباراة بالتعادل الايجابي بهدفين لكل فريق، وفي الموسم التالي يواصل فقوسة قيادة المصري وتقديم مستوى متميز للغاية، حيث نجح في قيادة الفريق للفوز على الزمالك والأهلي في غضون شهر واحد، حيث فاز المصري على الزمالك ببورسعيد في الثالث من فبراير عام 1989 بهدف جمال جودة، والذي نجح كذلك في احراز هدف الفوز على الأهلي ببورسعيد في المباراة التي أقيمت على ستاد المصري في 28 فبراير من العام نفسه.
وكان المصري تحت قيادة الراحل مدحت فقوسة قريبًا من حصد بطولة كأس مصر موسم 1989/1988، حيث قاد فقوسة المصري للوصول للمباراة النهائية أمام الأهلي بعدما أطاح في طريقه بفرق طنطا، والأولمبي والاتحاد قبل الخسارة أمام الأهلي في النهائي، وكانت تجربة مدحت فقوسة مع المصري خلال تلك الفترة ناجحة للغاية خاصة بعد نجاحه في تقديم عدد كبير من اللاعبين الناشئين من أبناء النادي المصري والذين دافعوا عن ألوان المصري لسنوات طويلة.
ويخوض رمزنا الراحل مدحت فقوسة عدد من التجارب التدريبية الناجحة داخل وخارج مصر ولعل أبرزها كانت مع نادي المريخ البورسعيدي موسم 1992/1991، حيث قدم المريخ تحت قيادة فقوسة عروضًا قوية للغاية رغم ضعف الامكانيات وهو الأمر الذي دفع المسئولين عن جهاز الرياضة العسكري لترشيح مدحت فقوسة لقيادة المنتخب العسكري الذي كان يستعد آنذاك للمشاركة في بطولة العالم العسكرية بالمغرب عام 1993.
وبقوام غلبيته من اللاعبين الشباب، ينجح مدحت فقوسة في تحقيق الإنجاز الأبرز للكرة المصرية آنذاك بقيادته للمنتخب العسكري لحصد بطولة كأس العالم العسكري للمرة الأولى في تاريخه بعد الإطاحة بعدد كبير من المنتخبات تباعًا، ثم الفوز على صاحب الأرض والجمهور المنتخب المغربي في المباراة النهائية بعد ماراثون طويل نجح خلاله فقوسة بخبرته الكبيرة في قيادة الفراعنة للفوز على أسود الأطلسي بثلاثة أهداف مقابل هدفين، ولم يتوقف نجاح مدحت فقوسة عند هذا الحد بل نجح أن يقدم للمنتخبات الوطنية عدد كبير من اللاعبين ومنهم على سبيل المثال لا الحصر ياسر رضوان، سمير كمونة، محمود أبو الدهب، مصطفى صادق وغيرهم من النجوم الذي أصبحوا أهم الركائز الأساسية للمنتخب الأول خلال السنوات التالية بفضل العين الثاقبة للقدير مدحت فقوسة.
وينهال التكريم على نجمنا الراحل مدحت فقوسة عقب تحقيقه لهذا الإنجاز الأسطوري آنذاك، وتحتفي به كافة أجهزة الدولة وقياداتها السياسية، ولم يتوقف التكريم عند ذاك الحد بل امتد التكريم للجهات الشعبية وأبناء مدينة بورسعيد الذين حرصوا لأشهر عديدة على اقامة حفلات التكريم لنجمهم الذي رفع اسم مدينتهم عاليًا.
وفجأة ودون أية مقدمات، يقرر النجم مدحت فقوسة اعتزال التدريب وهو لم يتجاوز السابعة والأربعين من العمر اكتفاء بما حققه من إنجاز، ورغم العروض المادية الضخمة التي انهالت على مدحت فقوسة خلال تلك الفترة والتي كادت أن تجعل منه المدير الفني صاحب الراتب الأضخم آنذاك في تاريخ الكرة المصرية إلا أنه رفض بتاتًا تلك العروض مقررًا الاعتزال والابتعاد عن مجال الكرة.
ورغم ابتعاده عن كرة القدم، الا أنه لم يبتعد عن الجمهور الذي عشقه، كان الراحل مدحت فقوسة بمثابة نائبًا للشعب، بيته مفتوح للجميع وخدماته في سائر المجالات لأبناء بورسعيد لا تنقطع، فكم من حالات إنسانية سعى الراحل القدير مدحت فقوسة لخدمتها حتى لو عانى الأمرين في سبيل ذلك، لم يدخر الراحل القدير مدحت فقوسة وسعًا في سبيل مساعدة الآخرين سواء عرفهم أم لم يعرفهم، فالكل عنده سواء، ولأبناء بورسعيد مكانة كبيرة في قلبه، يكفيه فقط أن تكون بورسعيديًا فيقابلك بكل الترحاب والمودة ويقضي لك حاجتك، أنه مدحت فقوسة الإنسان، صاحب البسمة أينما وجد، وأحد ظرفاء العصر بما يحمله من سمات جميلة أبرزها سرعة البديهة وروح الفكاهة التي جعلت منه نجمًا تتخاطفه القنوات الفضائية ووسائل الإعلام سعيًا منه للاستماع لنوادره التي لا تعد ولا تحصى.