لا تزال المحادثات تجري في العاصمة النمساوية فيينا على مستوى الخبراء وبشكل غير رسمي بين إيران والدول الكبرى التي سبق أن كانت ضامنة لخطة العمل الشاملة المشتركة المعروفة إعلاميًا باسم "الاتفاق النووي"، وفي ظل عمل تلك اللجان المعنية بتقريب وجهات النظر بين كل من طهران وواشنطن لرأب الصدع بين الطرفين، لا تزال إسرائيل تحاول جاهدة إقناع الولايات المتحدة الأمريكية بعدم العودة إلى اتفاق 2015 لما فيه من عوار كبير – على حد الرؤية الإسرائيلية – ما مكن إيران من اختراق منطقة الشرق الأوسط وكذلك دعم الكثير من الميليشيات المسلحة ذات النزعات الطائفية.
وبرزت المحاولات الإسرائيلية في كل مرة يحدث فيها اختراق بين طهران وواشنطن برعاية أوروبية أو عمانية بحضور كل من روسيا والصين في فيينا، حيث ترى إسرائيل أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تقدم تنازلات معينة للجانب الإيراني في ظل وجود المسار الدبلوماسي بين الطرفين، وهو المسار الذي يستوجب تقديم تنازلات من الطرفين للوصول إلى اتفاق مرضي في النهاية، حيث تخشى إسرائيل من تخفيف واشنطن للضغوط القصوى التي سبق أن فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على إيران، في ظل المحاولات الإيرانية للضغط على إسرائيل في تموضعات عسكرية في سوريا ولبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة.
عرقلة المفاوضات
وسبق أن هاجمت إسرائيل سفنًا إيرانية في منطقة الخليج العربي وبحر عمان، وكذلك ردت إيران من جانبها باستهداف الكثير من السفن الخاصة بالشركات الإسرائيلية التي مرت من الخليج العربي، علاوة على تعمد السفن الإيرانية إحداث تسريب نفطي قبالة الشواطئ الإسرائيلية على البحر المتوسط بغرض تلويث تلك المنطقة وإحداث نوع من المكايدة بحق إسرائيل التي تسببت في عرقلة المفاوضات من جانب، ومن جانب آخر اغتالت أهم علماء إيران النوويين، فضلًا عن الهجمات السيبرانية التي شنتها إسرائيل على مفاعل نطنز النووي مؤخرًا.
في السياق ذاته سبق أن أعلنت إسرائيل رفضها عودة الولايات المتحدة الأمريكية للاتفاق النووي 2015، معللة موقفها ذلك بأن إيران لن تلتزم بالاتفاق المبرم كما لم تلتزم به من قبل، فإسرائيل لديها مخزون كبير من الوثائق الذي يفيد بأن إيران خرقت الاتقاق النووي 2015 منذ لحظة توقيعه، من خلال الكشف عن تطوير إيران لبرنامجها النووي بمعزل عن رؤية المجتمع الدولي والوكالة الدولية للطاقة الذرية، من خلال مفاعلات سرية تم الكشف عنها مؤخرًا، وتم فيها تخصيب نسبة من اليورانيوم الذي يستهدف التسريع في الحصول على السلاح النووي.
كذلك برزت تهديدات كثيرة من الجانب الإسرائيلي بالاستعداد للحرب مع إيران، على اعتبار أن الطائرات الإسرائيلية يمكنها أن تصل إلى إيران واستهدافها في عقر دارها، اعتمادًا على أن إيران لا تلتزم بأي اتفاق مبرم، وكذلك تعمل على تزويد حلفاء ووكلاء لها بالدعم المالي واللوجيستي.
تظاهرات اللوبي الصهيوني في واشنطن
لكن اللافت للنظر، أنه بعد أن أعلنت الدول المشاركة في اجتماعات ومفاوضات فيينا غير المباشرة، أن تلك الاجتماعات أسفرت عن تقريب وجهات النظر بين الطرفين، وتم الاتفاق على ضرورة أن تخفض الولايات المتحدة الأمريكية حدة الضغوط والعقوبات على إيران، بات أمام إسرائيل استخدام سلاح اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، حيث خرجت تظاهرات في نفس وقت الإعلان من فيينا تطالب بايدن بعدم العودة للاتفاق النووي، وكذلك رفع المشاركون في تلك التظاهرات صورًا للمرشد الإيراني على خامنئي ووصفوه بالكاذب.
كما شملت مطالب المتظاهرين ضرورة التحقيق في حادث مقتل الكثير من المواطنين في حادث الطائرة الأوكرانية المنكوبة التي سقطت خلال محاولة الثأر لمقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، والذي اغتالته الولايات المتحدة الأمريكية في الأراضي العراقية.
وقد تستخدم إسرائيل ذلك اللوبي الشعبي من أجل الضغط على الإدارة الأمريكية خلال تلك الفترة بالتحديد، لإثناء الرئيس الأمريكي عن العودة للاتفاق السابق، حال رغب في ذلك، بالإضافة إلى أن إسرائيل ترغب دائمًا في أن تكون وجهة نظرها مطروحة على مائدة المفاوضات، أو من ناحية أخرى تضغط لتكون شريكًا وضامنًا للاتفاق الجديد بجانب بعض الدول الخليجية التي تعد من الدول المعنية بذلك الاتفاق، خاصة وأنها معنية بشكل أساسي بأمن المنطقة، في ظل استهداف ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران للكثير من المنشآت النفطية السعودية والأراضي السعودية بشكل عام.