تحت مظلته الواسعة، وعلى خشبته المثيرة، تجتمع فنون التمثيل والرقص والغناء والأداء والتلحين والموسيقى، والمناظر والديكور، لذا كان المسرح أبو الفنون، وخلال رحلته الطويلة شهدت خشبته مجموعة من الرائدات منذ مراحله المبكرة، اللاتى قدمن بدورهن تراثًا خالدًا سيبقى على مر الزمان.
وقد أختص المؤرخ المسرحى د. عمرو دوارة «البوابة» بموسوعته الجديدة غير المسبوقة، التى تحمل عنوان «سيدات المسرح المصري»، التى لم تنشر حتى الآن؛ حيث تضم السيرة الذاتية والمسيرة المسرحية لـ150 رائدة، منذ بدايات المسرح الحديثة 1870 حتى 2020، والمصحوبة بصور نادرة سواء شخصية أو لعروضهن المسرحية، وقد نجحن في المساهمة بإبداعهن في إثراء مسيرة المسرح المصري. ويصبح لنا السبق في نشر 30 رائدة مسرحية على مدى ليالى رمضان الكريم، بهدف القاء الضوء على رائدات المسرح المصرى بمختلف تصنيفاته، وتكون بداية هذه السلسلة بالسيدات اللاتى برعن في تجسيد دور «الأم» لأهمية هذه الشخصية المحورية في الحياة بصفة عامة والدراما العربية بصفة خاصة.
كان المسرح شاهدا على بدايات الفنانة ناهد سمير، ثم في الإذاعة، والتليفزيون، والسينما، فقد بلغ رصيدها الفني نحو ١٥٠ عملا؛ فبعد حصولها على شهادة الثانوية التحقت بقسم التمثيل بالمعهد العالى للفنون المسرحية وحصلت على البكالوريوس عام ١٩٤٩، ضمن دفعة ضمت نخبة من الفنانين الذين تألقوا وحققوا النجومية بعد ذلك "عبدالمنعم إبراهيم، عبدالمنعم مدبولي، عدلي كاسب، أحمد الجزيري، صلاح سرحان، محمود عزمي، محمد الطوخي، كمال يس، على الزرقاني" لتستكمل صقل موهبتها بالدراسة الأكاديمية، حيث بدأت حياتها العملية بمجرد تخرجها من أكاديمية الفنون بالعمل بالمسرح ونجحت من خلال فرقة "المسرح الحر" أن تؤكد موهبتها بمسرحيتي: "المغماطيس"، "الناس إللي تحت" - حسبما ذكر الدكتور عمرو دوارة - وبعد نجاحها مسرحيا شاركت ببطولة بعض الأفلام السينمائية، وبخلاف تألقها المسرحي والسينمائي تألقت أيضا في العديد من الأدوار التليفزيونية، وكذلك بمشاركتها ببطولة مجموعة من السهرات والمسلسلات الإذاعية، وقد حققت شهرتها وتألقها التليفزيوني من خلال مسلسلات: "الضحية"، "الرحيل"، "مارد الجبل" وغيرها.
يوضح دوارة، أنها حرصت على تنوع أدوارها التي اتسمت جميعها بالجدية، فهي حريصة طوال مشوارها الفني على تقديم أعمال هادفة ذات مضمون ورسالة تتواءم مع إيمانها وقناعتها الشخصية بدور الفن في خدمة المجتمع، وإن كان هذا لم يمنعها من تقديم بعض الأعمال التي يمكن تصنيفها تحت مسمى "الكوميديا الاجتماعية" أو "الكوميديا الهادفة"، والتي أثبتت من خلالها مهاراتها في أداء الأدوار الكوميدية بنفس كفاءة أدائها للأدوار التراجيدية والميلودرامية، من بينها مسرحيات: "أنا مين فيهم، الجيل إللي جاي، راقصة قطاع عام"، وفيلمي: "إجازة صيف، مخيمر دايما جاهز".
أما المسرح فظل المجال المحبب لها، ومارست من خلاله هوايتها للفن، فكانت بداياتها الفنية من خلال كل من فرقتي: "المسرح القومي"، "المسرح الحر"، وتعد فترة الخمسينيات والستينيات بصفة خاصة فترة تألقها المسرحي، حيث قدمت مع فرقة "المسرح العسكري" مسرحية "خلود" في ١٩٥٧؛ ومع فرقة "المسرح القومي" مسرحيات: "عريس في علبة، الأيدي الناعمة" في ١٩٥٥، "كوبري الناموس، الخال فانيا" ١٩٦٣، "الفرافير" ١٩٦٤، "بير السلم" ١٩٦٦، "سر الحاكم بأمر الله" ١٩٧٠، "باحلم يا مصر" ١٩٧٥، "بداية ونهاية" ١٩٧٦، "دماء على ملابس السهرة" ١٩٧٨، "المسيرة النبوية" ١٩٨٠، "بيت الأصول" ١٩٨٣؛ ومع فرقة "مسرح الجيب" مسرحية "الكراسي" ١٩٦٢؛ ومع فرقة "المسرح الحديث" مسرحيات: "الرجل والطريق" ١٩٦٣، "البيت القديم" ١٩٦٤، "رحلة مع الحبايب" ١٩٧٤، "الزفاف" ١٩٧٥؛ ومع "المسرح العالمي" عرض "بلدتنا" ١٩٦٥؛ ومع فرقة "المسرح الحر" مسرحيات: "عبدالسلام أفندي" ١٩٥٤، "المغماطيس، كوكتيل العجايب" ١٩٥٥، "الناس إللي تحت" ١٩٥٦؛ ومع فرقة "ساعة لقلبك المسرحية": "أنا مين فيهم" ١٩٥٨؛ ومع فرقة "مسرح الفن": "راقصة قطاع عام" ١٩٨٥، أما المسرحيات المصورة فقدمت "الجيل إللي جاي" ١٩٧٧، "الناس مقامات" ١٩٨٧، "رابعة العدوية".
رغم ثقل موهبتها المؤكدة وخبراتها الممتدة، فلم تستطع الشاشة الفضية للأسف الاستفادة من تلك الموهبة، حيث لم تشارك سوى بمجموعة من الأدوار الثانوية في عدد كبير من الأفلام السينمائية بما لا يتناسب مع مكانتها الفنية منها: "ابن الحداد، بورسعيد، الشيطانة الصغيرة، سلطان، دعاء الكروان، عريس مراتي، أنا حرة، بين السما والأرض، أبو الليل، في بيتنا رجل، الأشقياء الثلاثة، طريق الشيطان، الباب المفتوح، سيد درويش، ابن الحتة، البوسطجي، أبي فوق الشجرة، حمام الملاطيلي، المنحرفون، الأخرس، المحاكمة، البريء، حارة برجوان، الإمبراطور، قبضة الهلالي، الغرقانة، الهاربان، طريق الشر" وغيرها، كما حصلت أفلامها الثلاثة "في بيتنا رجل، زوجة رجل مهم، أبي فوق الشجرة" ضمن قائمة أفضل ١٠٠ فيلم في ذاكرة السينما المصرية حسب استفتاء النقاد ١٩٩٦.
نجحت "سمير" في وضع بصمة مميزة لها من خلال مشاركاتها ببعض الأدوار الرئيسية في عدد من المسلسلات التليفزيونية المتميزة خاصة بعدما قدمت عدة شخصيات إنسانية مرسومة بعناية ومحددة أبعادها الدرامية بكل دقة بعدد من الأعمال المهمة، لذلك لم تبخل بمنحها جهدها، فقدمت في الدراما التليفزيونية: "الضحية، القضية ٥١٢، كف القدر، سيداتي آنساتي، صابرين، خان الخليلي، عودة الروح، هي والمستحيل، البريء، أديب، ميراث الغضب، الزير سالم، الوجه الآخر، أحزان نوح، القضاء في الإسلام، رسول الإنسانية" وغيرها، إلى جانب بعض التمثيليات والسهرات التليفزيونية.
ساهمت "سمير" في إثراء الإذاعة المصرية بعدد كبير من الأعمال الدرامية على مدى مايقرب من نصف قرن، حيث تضم قائمة أعمالها الإذاعية مجموعة كبيرة من المسلسلات والتمثيليات الإذاعية يصعب حصرها لكثرتها منها: "وتاه مني في الطريق، كلام سر، مدينة الأحلام، وقفة العيد، السعادة إجازة قصيرة، قصة الشقيقات الثلاث، قلوب من دهب، كبير العيلة، عبير الذكريات، أغرب القضايا، حلاوة الروح، مطلوب خدامة، فواكه الشعراء، زهور وأشواك، الوجه الآخر، كل هذا الحب" وغيرها.
تعاونت "سمير" من خلال مسرحياتها مع نخبة من كبار المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل من بينهم: "فتوح نشاطي، محمود شريف، إبراهيم سكر، عبدالمنعم مدبولي، كمال يس، صلاح منصور، سعد أردش، كرم مطاوع، جلال الشرقاوي، محمد عبدالعزيز، على الغندور، سمير العصفوري، محمد مرجان، عبدالغفار عودة، فتحي الحكيم، رشاد عثمان، نبيل منيب"، بالإضافة إلى المخرج الروسي لسلي بلاتون.