الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

بعد توافق "الخشت" و"الطيب" إلى عدم تقديس التراث الفقهي.. علماء وشيوخ: الاختلاف كان في الوسائل والمقصد واحد وهو تجديد الخطاب الديني.. ويجيبون عن كيف نربأ من الجدل الفكري

الخشت والطيب
"الخشت" و"الطيب"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعد فترة من الخلاف الإيجابي حول تجديد الخطاب الديني بين دكتور محمد الخشت، رئيس جامعة القاهرة وشيخ الازهر أحمد الطيب، والتي ترتب عليها جدال واسع وفريقين ما بين تأييد هذا ورفض هذا، خرج الطيب وقال بالنص:" إن الدعوة لتقديس التراث الفقهي، ومساواته في ذلك بالشريعة الإسلامية تؤدي إلى جمود الفقه الإسلامي المعاصر".
وبهذا يحسم الجدل الذي بدأ منذ يناير 2020 بين الشيخ الجليل وأستا فلسفة مذاهب الأديان، بأنه لا مناص عن "تجديد الخطاب الديني".. وترصد "البوابة نيوز" آراء عدد من الشيوخ والعلماء حوال ماهية تجدد الخطاب الديني وكيف نربأ هذا الشقاق الفكري، بعد استعراض رأى ورؤية الإمام الأكبر، والدكتور الخشت.

قال شيخ الأزهر أحمد الطيب في الحلقة الثامنة عشر من برنامجه الرمضاني اليومي: إن الدعوةَ لتقديسِ التراثِ الفقهيِّ، ومُساواتِه في ذلك بالشريعةِ الإسلاميَّةِ تُؤدِّي إلى جُمودِ الفقهِ الإسلاميِّ المعاصر، كما حدث بالفعلِ في عصرِنا الحديثِ؛ نتيجةَ تمسُّك البعضِ بالتقيُّدِ -الحرفي- بما وَرَدَ من فتاوى أو أحكامٍ فقهيَّةٍ قديمةٍ كانت تُمثِّلُ تجديدًا ومواكبةً لقضاياها في عصرِها الذي قِيلَتْ فيه، لكنَّها لم تَعُدْ تُفيد كثيرًا ولا قليلًا في مُشكلاتِ اليوم، التي لا تُشابِهُ نظيراتِها الماضيةَ، اللهمَّ إلا في مُجرَّدِ الاسمِ أو العنوان.

الخشت: لا بد من العودة إلى الإسلام المنسي
ليعود ويصرح الدكتور "محمد الخشت"، رئيس جامعة القاهرة وأستاذ فلسفة الأديان، بعد تصريح الطيب بأنه لا بد من العودة إلى الإسلام المنسي إلى الدين النقي، موضحا إن الدين غير التراث، فالدين هو القرآن الكريم والسنة الثابتة قطعيا والمتوافقة مع القرآن، أما التراث فهو كل الإنتاج البشري من العلوم بما فيها علوم الدين، وكل ما تركه القدماء من فنون وعادات وتقاليد...إلخ.
وتابع؛ أنه لا بد من وضع التراث تحت الفحص العقلاني النقدي لأنه بشري غير مقدس وغير معصوم، والمقدس هو الدين فقط متمثلا في القرآن والسنة الثابتة ثبوتا قطعيا، ولابد أن نفرق بين الدين والخطاب الدينى، الدين هو ما جاء في القران الكريم والسنه النبوية الثابتة والمتوافقة مع القرآن، اما الخطاب الدينى فهو من صنع البشر وغير معصوم وغير مقدس وقابل للصواب والخطأ.
وتابع أستاذ فلسفة الأديان والدين غير علوم الدين، الدين إلهي بينما علوم الدين وضعها بشر، ويجب تطوير علوم الدين وليس إحياء علوم الدين، ويجب إحياء الوحي الكريم في منابعه الأصلية ( القرآن والسنة الثابتة ثبوتا قطعيا) قبل نشأة المذاهب والفرق، فنحن مسلمون وكفى، ولسنا مطالبين باتباع مذهب معين.

الخلاف في الوسائل وليس المقاصد
نوه أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، ليس هناك خلاف ما بين فضيل الإمام الأكبر الطيب ودكتور محمد الخشت، موضحا أن المسألة لا تعدو الخلاف في الوسائل وليس المقاصد.
وتابع "كريمة"، في تصريحات خاصة، فالكل يتفق على أن التجديد دعوة نبوية محمدية كما قال رسولنا الكريم "يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها".
وأشار إلى أن الإسلام عقيدة وفلسفة، وهناك آراء ترى ان التجديد هو التنكر للتراث وهنام من يرى خلع البعض منه، ولكن التجديد بضوابطه وهو ثقافة الازهر وبأدواته المعتمدة داخل قاعات البحث وليس لعوام الناس.
وعن تجديد مناهج الأزهر، أكد أستاذ الفقه المقارن أن تلك المناهج هي التي حمت مصر من ما ييد عن الألف عام، كما منعت ضياع اللغة العربية وهي من روجت لنا مناهج محمد عبده والمراغي.
ولفت كريمة إلى أن ما فعلته مدارس الإخوان والسلفية بأفكارهم المتطرفة هي ما يجب أن ننظر إلى نتائجه ونعالجها، خاصة أن الأزهر لديه تيارات من الشيوخ المجددين والذين يتم محاربتهم دائما من قبل من لديهم جمود فكري.

مناهج الخطاب الديني
يجيب الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي الجمهورية السابق، عن مناهج "لا نفهم من تجديد الخطاب الديني إلا معنى واحدا هو العودة المباشرة للمصادر الأصلية التي ينطلق منها الخطاب الديني؛ وهي: القرآن الكريم، والسنة الصحيحة، وما تعارف عليه أئمة المسلمين وعلماؤهم وأجمعوا عليه".
وتابع أنه بجانب القرآن والسنة فيجب أن نطّلع على السنن الإلهية التي أرشدنا الله سبحانه وتعالى إليها؛ كسنة التوازن والتعارف والتدافع والتكامل.. إلخ، وأيضًا إدراك المبادئ العامة؛ مثل: أنه "لا تزر وزارة وزر أخرى"، و"القصاص حياة"، و"عفا الله عما سلف"، و"جزاء سيئة سيئة مثلها"، ومقاصد الشريعة؛ من حفظ النفس والعقل والدين وكرامة الإنسان والْمِلك، والقواعد الكبرى؛ مثل: "رفع الحرج"، و"المشقة تجلب التيسير"، و"العادة محكَّمة".. إلخ.
وأضاف، "هذا يعني أن ينقى الخطاب الديني مما لحقه في الحقب المتأخرة من التأثر بالعادات والتقاليد والابتعاد -قليلًا أو كثيرًا- عن روح النصوص المقدسة ومقاصدها وغاياتها؛ مثل النظرة غير الإسلامية للمرأة، والتي أثقلت كاهل المرأة المسلمة وبخاصة المرأة العربية بشيءٍ غير قليلٍ من القيود والحواجز التي لا نجدها لا في صريح القرآن الكريم ولا في صحيح السنة، بل ربما تتناقض -في صراحة- مع القرآن والسنة".
وأوضح، أيضًا تجديد الخطاب الديني يعني فيما يعنيه تنقيته من التأثر بالثقافات المخالفة، والتي تتعاكس مع ثقافة الإسلام، وبخاصة فيما يتعلق بالإباحية والتفلت وما يُسَرَّبُ تحت مظلة حقوق الإنسان من القول بالشذوذ والإجهاض ونحوها، فكل هذه آفاتٌ ضارةٌ وقاتلةٌ للخطاب الديني الصحيح، وإذا كنا نرفض الخطاب الديني المتشدد والمتشائم والمهول والمتطرف فإننا بنفس القدر نرفض الخطاب الديني اللعوب والمفتوح والمختلط بعناصر شاذةٍ لا يرضى عنها الإسلام من قريب أو بعيد، فكلا هذين الخطابين شاذٌّ ومنحرفٌ ومرفوضٌ وغريبٌ على هذه الأمة الوسط، وغريبٌ على دينها الوسط.

الخطاب الديني مسئولية أفراد أم مؤسسات؟
يجيب عن هذا دكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية، موضحا أن قضية تجديد الخطاب الديني مستمرة ولم تنقطع وأن هناك عددا من الأدوات قامت بها دار الإفتاء المصرية على رأسها الفتاوى الصادرة عن الدار تعالج قضايا الناس برصانة بما يتوافق مع تغيرات المجتمع، وهناك مؤتمرات ومنها تجديد الفتوى بين النطرية والتطبيق وعرضت فيه العديد من القضايا الشائكة على مستوى الفكر الإسلامي.
وأشار مفتي الديار المصرية إلى أن هناك تفنيد الأفكار المتطرفة وهو تصحيح للمسار مرة ثانية وتجديد الخطاب الديني.
وعن تنقية التراث أكد المفتي، أن التعامل مع التراث ليس قضية اليوم ولكنها منذ أزمان سحيقة والذي يقرأ في إطار هذا التراث سيجد كم من الحواشي والاختصارات وفي دار الإفتاء نظرنا لكل هذا ورأينا أن التراث ليس معصوم على أي حال ولكنه مشرف والصححيح أننا نأخذ القاعدة والأصل وننطلق به إلى واقعنا والي سياقنا الحالي.
وأكد "علام" المجموعات المتطرفة تجتزأ الفتاوي ويتخذون سياقات تاريخية إلى نطاقاتهم المظلمة والتطرف والتكفير، لذلك قمنا بإنشاء مرصد لكل هذا لمحاربة تلك الفتاوي والتطرف الداعشي الموجود.
أبرز معوقات التجديد
وعن أبرز معوقات التجديد، أشار الدكتور بكر زكى عوض، أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر، وعميد كلية أصول الدين سابقا، إلى عدم تحديد مفهوم واضح لعبارة تجديد الخطاب الدينى وهو ما أحدث نوعا من الاضطراب، فكل مؤسسة تنظر إلى هذه الجملة بمنظار خاص.
وتابع عوض "لذا يجب أولا عقد مؤتمر لجميع المؤسسات السياسية والدينية، والتعليمية، والثقافية، والإعلامية، لتحديد المفهوم، ورسم السبيل، ثم يكون الانطلاق بعد ذلك"، قائلا أما الآن، فكل يعمل في واد غير الوادى الذى يعمل فيه الآخر، وقد يظن أنه يجدد الخطاب وهو لا يشعر أنه يفسد الخطاب الديني، وقد رأينا شواهد ذلك في الشهور الأخيرة".
وأكد أستاذ العقيدة أن تجديد الخطاب الدينى لن يهز الثوابت في شيء بل سيجليها ويوضحها، ولكن العرض المتعلق بالثوابت في بعض الجوانب، يحتاج إلى لغة العصر، وخير دليل على وجود الله وصفات الكمال به، أن نوظف نتائج العلم التجريبى الحديث، لتقوية الإيمان، كما فعل الشيخ نديم الجسر، ووحيد الدين خان في كتابه «الإسلام يتحدى».

تجديد الخطاب بدأ بالفعل
حمل الرئيس عبد الفتاح السيسي على عاتقه منذ عام 2014، أمر تجديد الخطاب الديني حيث دعا المؤسسات الدينية لضبط الخطاب الديني ومواكبة العصر، فلم يترك فرصة في مناسبة دينية أو رسمية إلا ودعا بضرورة تحقيق هذا الأمر.
وأكد عوض أن حركة التجديد قد بدأت بالفعل، لكنها لن تؤتي ثمارها في يوم وليلة، فتغيير الأفكار يحتاج لوقت طويل وجهد جهيد وما يقوم به الأزهر الشريف هو عملية اقتلاع لأفكار صارت عند بعض الناس عقائد في فترة زمنية معينة، وتغييرها بعقيدة قائمة على الكتاب والسنة وروح الشريعة الإسلامية، ليحل اليسر مكان العسر، والتخفيف بدلًا من التعنيف، والتبشير محل الإنذار.