صراع الدول قضية تؤرق الشعوب خاصة إذا كانت معارك بين القوى العظمى للسيطرة على العالم والثروات والأسواق. لكن ليس صراع الدول فقط هو ما يؤرق البشرية الآن، بل هناك صراع محتدم من نوع جديد بين رجال "بزنس" قد يقلق العالم في المستقبل ولا يدري أحد شيئا عن قواعده أو الحدود التي يقف عندها. فصل جديد في هذه المعارك شغل الرأي العام العالمي خلال الساعات الماضية بين رجلي الأعمال إيلون ماسك وجيف بيزوس والسبب صفقة في الفضاء.. وليست في الأرض!
انطلقت شرارة المعركة بين الرجلين الأغنى في العالم بعد أن أعلنت وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" اختيار شركة سبايس أكس التابعة لإيلون ماسك لبناء المركبة التي تتولى مستقبلا نقل رواد الفضاء الأمريكيين إلى القمر. واشتعلت التدوينات على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" بعد أن كتب ماسك ساخرا من تغريدة شركة الفضاء "بلو اوريجين" المملوكة لبيزوس والتي احتجت فيها على "ناسا" لاختيارها "سبايس اكس" لإنزال روادها ومعداتها على القمر. وعندما تُعرف قيمة الصفقة يبطل العجب: 2.9 مليار دولار من وكالة ناسا لسبايس اكس لإنزال رواد فضاء على القمر!
ويرى المراقبون لعالم البزنس أن مبالغ هائلة على محك المنافسة بين ماسك و بيزوس في المستقبل حيث يتحوّل الفضاء قريبا جدا إلى قطاع واعد يدرُّ تريليونات الدولارات، "وما القمر إلا نقطة انطلاقهما".
يقول ماسك إن "سبيس إكس" ستهبط بالبشر على المريخ بحلول عام 2026 وتخطط لإنشاء مستعمرة بحلول عام 2050 الغرض منها "هو ضمان استمرار بقاء الجنس البشري وأنواع المخلوقات كافة". وكتب على تويتر: "إذا جعلنا الحياة متعددة الكواكب، فقد يأتي يوم تموت فيه بعض النباتات والحيوانات على الأرض لكنها لا تزال على قيد الحياة فوق سطح المريخ".
وبدوره، يهدف بيزوس إلى بناء مستعمرات خارج كوكب الأرض، ولكن في الفضاء بدلاً من المريخ، لأنه يظن أن الحياة مستحيلة على الكوكب الأحمر. وكتب تغريدة يؤكد فيها أن هناك ما لا يقل عن مليون شخص يمكن استيعابهم في الفضاء.
غير أن محلّلين علّقوا على المعركة بأنها تتخطى الصفقة وقيمتها إلى التنافس الشخصي والعناد بين رجلي أعمال كانا صديقين متحالفين بالأمس القريب وفرق بينهما غرورهما الشخصي.
الغريب أن قضية جديدة "ساخنة" دخلت على خط المعركة بين رجلي الأعمال، حيث اتهمتهما تغريدات بسعيهما لاستعمار الفضاء الخارجي تحت شعار إنقاذ البشرية، "لكنهما لا يهتمّان بحماية حقوق عمالهما هنا على الأرض".
وتعود خلفية السُّخط العمالي إلى الربيع الماضي في أعقاب الإغلاق الذي فرضته الحكومة بسبب جائحة كورونا، وغرد ماسك آنذاك واصفا هذه الأوامر بأنها فاشية وأعاد فتح مصنع تسلا للسيارات الكهربائية في ولاية كاليفوريا متحديا أوامر الصحّة. وعلى الفور أصيب 10 عمال من تسلا بالفيروس. ومع زيادة حالات الإصابة، فصل ماسك العمال الذين أخذوا إجازة غير مدفوعة الأجر. وكانت النتيجة إصابة ما لا يقل عن 450 عاملًا في الشركة. واستجوبت تسلا قبل عدة أسابيع عمالا حول مساعيهم لإنشاء نقابة، وتم فصل ومعاقبة البعض وتهديد العمال إذا انضموا للنقابة أو تواصلوا مع وسائل الإعلام.
ولا يعامل بيزوس موظفيه بشكل أفضل، حيث يخضعون لحصص إنتاج صارمة في "أمازون" و10 ساعات عمل يوميا مع استراحة لمدة نصف ساعة فقط لا تكفي للذهاب للحمام والعودة منه. وتمت عمليات فصل تعسفية نتيجة شكوى الموظفين من نقص معدات الحماية أثناء الجائحة، وهددت الشركة بفصل المزيد من العمال الذين يحضرون اجتماعات لإنشاء نقابة للدفاع عن حقوقهم.
ربما الملايين من سكان الأرض يشعرون بالامتنان لماسك على صنع سيارات كهربائية ولبيزوس على تسهيل طلب الأشياء عبر الإنترنت. لكنهم يستاءون بالتأكيد عندما يعلمون أنهما لم يوفّرا وسائل الحماية من كورونا للموظفين الذين يقومون بهذا العمل. وإذا كانا مبادرين بتيسير رحلات الفضاء لتأمين أماكن بديلة لمن يريدون الذهاب إلى القمر أو المريخ هروبا من فوضى الأرض وحفاظا على جميع أنواع المخلوقات، فالأجدر بهما التصرف بمسؤولية أكبر تجاه العاملين في الأرض لتحقيق هذه الأحلام والطموحات التي لا يبدو أن المعارك بينهما بسببها ستتوقف!
olfa@aucegypt.edu