استمتعت ومجموعة من الأصدقاء أعضاء نادي أدب شبين القناطر الأسبوع الماضي بليلة رمضانية ثقافية فريدة من نوعها فبجانب الاستماع إلى باقة من الشعراء أعضاء نادي الأدب ، استضافنا الشاعر والباحث والكاتب المسرحي طارق عمران ، مدير فرع الثقافة بالقليوبية ، للاستماع إلى أعمال فرقة شبين القناطر للفنون الشعبية.
وكانت ليلة ساحرة في الهواء الطلق في ساحة مركز شباب شبين القناطر، الذي يترأسه المثقف الوطني احمد الفقي ورئيس مجلس ادارة المركز الذي وفر الإمكانات لإنجاح الفعالية الرمضانية ،الثقافية، الأدبية، والفنية .
وكانت الفقرات الغنائية والموسيقية ،التي عرضتها فرقة الفنون الشعبية مفاجأة لمعظم الحضور، الذين لم يستمعوا لها من قبل، والتي استمرت في عرض فقراتها الغنائية لنحو الساعتين، دون توقف وبحماس شديد، وابتسامة لا تفارق وجوههم الطيبة .
لكنني لاحظت أن معظم أفراد الفرقة تزيد أعمارهم عن الستين عاما، وبعضهم في الخمسينات والاربعينات ،فيما يزيد سن ثلاثة منهم عن السبعين ، من افراد الفرقة التي يبلغ عددها 25 فردا ، ما بين مؤد وعازف على آلات وترية ، وآلات نفخ مثل المزمار والناي وآلات الايقاع مثل الطبلة والدف .
وهو ما جعلني أوجه سؤالي لمدير الفرقة "عربي مجد "، حول ضرورة البحث عن أجيال جديدة ، تتواصل مع هذه العناصر التي بلغت سن الشيخوخة ، وحتى لا يندثر جانب من تراثنا الشعبي ،المعبر عن روح وأصالة مجتمعنا بروحه الطيبة وتسامحه الفريد ،خاصة أن ما قدموه من فقرات فنية ترتقي بالأخلاق ، وتقدم قيم خلقية ودينية تمتدح الرسول الكريم وآل بيته الأشراف، من خلال أناشيد دينية كثيرة ، فضلا عن فقرات تضمنت أناشيد وأغاني وطنية، تحث علي حب الوطن، وتمتدح الخصال الطيبة في المجتمع ، مثل الكرم والأمانة والإخلاص، وحب الناس ،والتفاني في العمل، وغيرها من الرسائل التي تميز هذه النوعية من الاغاني الشعبية ،التي كنا نسمعها من نجوم ما زالوا في ذاكرتنا ، أمثال محمد طه وشفيق جلال وغيرهم .
وكشف لي مدير الفرقة عن المعاناة التي يتكبدها هو وزملاؤه، في الاستمرار بتقديم أعمالهم في الحفلات الثقافية التي يقدمونها، في كافة الفعاليات التي تنظمها وزارة الثقافة أو تساهم فيها بالتنظيم مع جهات أخرى ، خاصة أن المقابل الذي تخصصه وزارة الثقافة لأفراد الفرقة هو مبلغ 160 جنيها شهريا فقط للفرد من أعضاء الفرقة ، وهو بالطبع مبلغ أقل من الهزيل وأدني من أن يوصف بوصف "مرتب" أو حتي " مكافأة" ،لأن قيمة هذا المبلغ لا تكاد تساوي شيئا في ظل التضخم الذي يعانيه المجتمع منذ عقود! .
مفاجأة أخرى أدهشني بها مدير الفرقة، وهي أن فرقة الفنون الشعبية بشبين القناطر، استأثرت بالمركز الأول بين الفرق الشعبية بباقي المحافظات ، في السنوات الأخيرة عدة مرات ، وما زالت تحتل القمة بين الفرق الشعبية المصرية في كافة المسابقات ، ولذلك تستعين بها وزارة الثقافة لإحياء الحفلات والفعاليات ذات الطابع الفلكلوري، في معظم محافظات مصر، خاصة المحافظات التي تعاني من ضعف في مستوى فرقها الشعبية الفلكلورية، مثل محافظة القاهرة .
والتساؤل البديهي هنا يطرح نفسه: لماذا نحارب تراثنا الشعبي الفلكلوري بهذه الشراسة!؟ ولصالح من نتعمد هذا الاهمال بحق فنانين حقيقيين يحملون رسالة أخلاقية ووطنية محترمة، من خلال كلمات اعمالهم الدينية، والوطنية شديدة الصدق والجمال !؟.
ولماذا لا يتم تشجيعهم ، بما يمكنهم من الاستمرار في عطائهم الفني والثقافي باحترام، أمام أنفسهم وأمام مجتمعهم ، ولماذا لا يتم اتاحة الفرص لهم للظهور، وتقديم أعمالهم الراقية ،في القنوات الفضائية للتليفزيون المصري ، وإلقاء الضوء علي أعمالهم ، من خلال متخصصين في التراث والموسيقى والغناء .
إن ارتقاءنا بهذه النوعية من الفنون، هي طوق النجاة ، التي يمكن أن ترتقي بالذائقة المصرية مجددا، بعد أن تلوثت بأشباه المغنيين ومهرجى "المهرجانات"، الذين سادوا ساحات الفن، فأساؤا إليه وأساؤا إلينا بغير حق.