أصعب شيء على الإنسان أن يكون مريضا مرفوضا منبوذا وممنوع الاختلاط به، ولا يبقى إلا من حولك محيطين بك رغم الخطر الذي نالهم أو ينالهم، وأن تكون مرعوبا على الجميع، قبل خوفك على نفسك،.. تلك هي النتيجة لتجربة قاسية مررت بها في رحلة الفيروس الملعون "كوفيد-19" لا أعرف من أين نال مني، لكن الجزء الرئيسي هو الإهمال.
وقد نال المرض مني كثيرا ونال من زوجتي وشريكة حياتي، التي رفضت كل محاولات الابتعاد الكلي عني، وبالضغط أبعدنا ابني رامي عن بؤرة الوباء طيلة فترة المرض، بينما باقي أولادي وأحفادي مغتربين.
الأخطر في الأمر بالنسبة لتجربتي هو الآثار الجانبية للفيروس وأدوية معالجته، فقد سببت –ومازالت- في العديد من التداعيات على الكثير من أجهزة الجسم، وما زلت في انتظار التحاليل الطبية الدقيقة لبعض العينات، لوضع "دستور حياة وعلاج" للفترة المقبلة والتي تمتد لشهور.
التجرية حتما قاسية، ومن مر بها يدرك، ذلك وشفا الله الجميع، وحماكم جميعا من أي سوء، ونصيحتي لأي شخص يشعر بأعراض مرضية، التحرك السريع في مواجهة هذا "الفيروس"، دون أي ابطاء أو إهمال، ولابد من إخطار الطبيب المعالج بأي تاريخ مرضي، مهما كان، ليتم أخذه في الاعتبار خلال مرحلة العلاج، لتجنب أية مخاطر محتملة، كما حدث معي.
خلال شهر ويزيد من المعاناة، حاولت كثيرا أن أُلهي نفسي ببعض المتابعات ذات العلاقة بالعمل عبر وسائل الاتصال، لكن كثيرا ما هزمتني "قوة المرض"، والآلام المبرحة في أجهزة وأجزاء مختلفة في الجسم، وبعضها تسبب في لحظات "غياب"، مع سيطرة الهواجس والقلق، وأشياء أخرى!!.
في هذه التجربة تشعر بأهمية حب الناس ومن هم حولك، والاستعداد للتضحية، ولكن خوف حامل المرض نفسه على من حوله حتى لو غاب عن الوعي، وخوفه على أي شخص، في ظل تجربة قاسية، هو الحد الفاصل بين الحماية والعدوى بالمرض الملعون، بل الحد الفاصل بين "الحياة والموت".
ومن كثرة تعاملي مع فريق طبي "مميز"، شعرت أن الأطباء في قلق من أمرهم، بين فيروس حديث وخطير، ومرض يحصد الناس حصدا، ويفصل بين الموت والحياة، وبروتوكولات علاج لا خيار فيها كثيرا، والاجتهاد فيها محدود جدا، مع مواجهة مجهول، ولكنه مميت.
شعرت كثيرا بحالة من الشفقة على الأطباء وغيرهم في المجال الطبي والعلاجي، فهم خط الدفاع الأول في مواجهة "كورونا" وتوابعه، والأكثر عرضة للخطر، وأي هروب منهم يمثل خيانة للناس الذين يثقون فيهم، ولذلك، يتصدون للمرض بصدور عارية، ولا مفر من ذلك، وينطبق عليهم مقولة "الفيروس أمامكم ومن خلفكم والمرضى أمانة في أيديكم"، ويصبح دخول المعركة واجب ومسئولية عليهم، وهذا ما لمسته، وإن سمعت عن بعض حالات خارج هذا السياق، ولكن تبقى فردية.
من كثرة زياراتي للمستشفيات والعيادات الطبية، ومراكز التحاليل والأشعة، شعرت أن كل الناس مرضى، ولابد من تدقيق أرقام الإصابات المعلنة يوميا عن المصابين، فكثير من الحالات لا يتم تسجيلها، لأن علاجها يتم خارج المستشفيات الرسمية الحكومية، ومن أهم الملاحظات هي ظاهرة الإصابات العائلية التي تنتشر بشكل ملحوظ.
والمؤكد أن ما يتم الإعلان عنه هو المسجل داخل المستشفيات التابعة لوزارة الصحة، والتعليم العالي، وبالتالي تصبح الأرقام غير دقيقة، ومواجهة المرض الحقيقية تبدأ من شفافية أرقام الإصابات، لنقف على الحقائق كاملة، والتوعية بحجم الخطر لوباء في كل أنحاء العالم، وفكرة إلزام العيادات الخاصة ومراكز التحاليل والأشعة الطبية، والمراكز الصحية والطبية وجميع المستشفيات الخاصة بالإخطار عن الحالات، جزء مهم من مواجهة خطر مميت يواجه المجتمع.
التعامل بجدية من الناس مع هذا الوباء هو الحل للمواجهة، وشعرت أن البعض مازال يتعامل مع "كورونا"، أن مجرد وهم، بل البعض من الناس لا يعترف به، وهذا مكمن الخطر، ودعوتي هي التعامل بكل جدية مع خطر يفصل فعلا بين الموت والحياة، وحتما قدرة الله فوق كل اعتبار.
أكثر من 40 يوما في مواجهة خطر وسط فريق طبي من أصدقاء وجيران، لم يبخلوا بوقتهم على مدى الساعة في المتابعة والنصيحة والرد على الاستغاثات ليلا ونهارا، بينهم د. محمد علام، ود. عوني خيرى، ود. طه عوض، ود. محمد الديب، ود. أيمن عبد العزيز، ود. سمير عنتر، ولحظة بلحظة مع الصديق العزيز الدكتور عبد الوهاب الحنفي، وزميلنا في الخدمات الطبية بنقابة الصحفيين "عبد الرحمن"، والشكر لكم ليس بكاف.