تلاقت بعض مزاعم التفسيرات القديمة التوراتية مع أساطير كهنة السياسة الإثيوبية، بزعم خراب مصر وجفاف النيل وفقا للإصحاح التاسع عشر من سفر إشعياء النبي من العهد القديم، أنه يتمنى أو يتنبأ الخراب لمصر، ومن المعروف أن تعاليم الكنيسة الإثيوبية أقرب إلى الأرثوذكسية اليهودية وغلفت المسيحية الإثيوبية بأساطير لا تختلف كثيرًا عما تنطلق منه الميثولوجيا اليهودية والتي مكنتها من دولة فلسطين المحتلة فهم يرون أن نسبهم يمتد إلى سيدنا سليمان من خلال نسب ملوكهم إليه فالملك منليك الأول يعتبر ابن سيدنا سليمان في الأساطير الإثيوبية ومنه خرجت دعاوى نقاء السلالة وشعب الله المختار، فما أكثر شعوب الله المختارة!!! التى تموج بها منطقتنا، مع أن الشعب الذى بورك ووصفت أرضه بأنها أرض أمان هي مصر لو لجأنا إلى الكتب السماوية وما بنى من أساطير لقيل الكثير في هذا الشأن. ويصدح خطاب الكنيسة الإثيوبية بفكرة العرق السامي أو النقاء العرقي بالانتماء إلى الأنبياء، وعلى ضوء تلك النصوص المتطرفة، يسيطر على المتدينين الإثيوبيين بدعم من الكنيسة فكرة النقاء العرقي الإثيوبي عن شعوب العالم باعتبارهم من نسل النبي سليمان، ويؤمنون بالنص الديني اليهودي بأن الله فضل سارة العبرانية وابنها إسحاق على هاجر المصرية وابنها إسماعيل، وما بين أبناء سارة العبرانية وهاجر المصرية وجدت مصر في قلب الحدث وفى أحاديث الغرف المغلقة.
فهي دولة بكل اعتبارات الميثولوجيا الداخلية والمكانة خصم إقليمي لا يقل عما تساويه إسرائيل وإيران لمصر في الإقليم وإن كانت تتفوق عن تلك الدول بأنها منبع لجزء من مياه النهر ثم إن الفروقات القومية الحالية داخل إثيوبيا والتي تكاد تنفجر تحتاج إلى جدار يحميها ويحقق التماسك القومي، فكان خلق مشروع قومي قائم على تحدي منافس، له في الذهنية القومية والدينية الإثيوبية. وقد تحول المشروع إلى قضية وجود لهذه الدولة التى تبحث عن هدف قومي وجدته بإحياء كيانها وتاريخها أمام دولة بحجم تاريخ وكيان مصر، تواكب مع ذلك رغبات إقليمية ودولية في تبوؤ إثيوبيا مكانة على حساب الدولة المصرية علما بأن أطماع "إسرائيل" في مياه نهر النيل قديمة جدًا، فهي تسعى للسيطرة عليه بناءً على الأساطير الدينية اليهودية التي ترتكز على دعوى أرض الميعاد، فهم يزعمون أن كتابهم المقدس "التوراة" جاء فيه أن الله قطع العهد لإبراهيم وأولاده بأن يأخذوا الأرض الممتدة من نهر النيل إلى نهر الفرات. فثمة إجماع لدى النخبة وصانع القرار الإسرائيلي على أن إثيوبيا تعتبر المفتاح السحري للتغلغل في القارة الأفريقية وطعن الأمن القومي العربي. وقد أدركت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ العام 1948م، أن السيطرة على نهر النيل يهدد مصالح مصر الإستراتيجية وأمنها القومي، لذلك عملت جاهدة للسيطرة عليه، ولكل ذلك هناك خط مستقيم تمضي عليه الدولة الإثيوبية، فلم تقر وتعترف بأي اتفاقية سواء كانت طرفًا فيها أم لا، محتلة أو مستقلة وكاملة السيادة، ففي الإجمال فإنها لم تقر بأى اتفاقية تاريخية فاتفاقيات (1891، 1902، 1906، 1929، 1959) لا تقر بما جاء فيها وتنقدها دائمًا حتى اتفاقية 1993 التي وقعتها مع مصر تنصلت منها فور توقيعها. وطوال الوقت يصدرون مظلومية تاريخية في كل لقاءاتهم تكاد من سخونتها أن تفجر قاعات الاجتماعات، يتكلمون عن حوض نهر ولديهم ثمانية أحواض أخرى، كأن مياهه شفاء لجميع أمراض الجسد الإثيوبى المتخم بالفقر وفشل سياسات حكامها على مر العصور الماضية، فكانت النتيجة ما نراه الآن في تلك الملهاة الدائرة التي يواجهها المفاوض المصري المحمل بحمل جبال.