تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
ألقى الدكتور القس أندرية زكي رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر، كلمة في احتفال الطائفة بعيد القيامة المجيد، اليوم السبت، تضمنت عدد من الرسائل المهمة، وإلى نص الكلمة:
رجاءٌ أقوى منَ الموتْ لُوقَا 13:24- 35، اليوم نحتفل بعيد القيامة المجيد ونتساءل عن معنى العيد في وسط الوباء
-هلْ منْ معنَى للعيدْ؟
رغمَ بهجةِ العيدِ، تصيبُنا الظروفُ الحاليةُ التي نتجتْ عنْ جائحةِ فيروس كورونا بالإحباطْ.
وهو ما يدفعُني للتساؤلِ: هل منْ معنَى للعيدِ وسطَ كلِّ ما يحدثُ في العالمِ؟
للعامِ الثاني على التوالي نعيشُ في الإجراءات الاحترازية والتباعدِ الاجتماعيّ ثم الموجةِ الثالثةِ لكورونا
فقدانِ الكثيرينْ وتزايدِ الحالاتِ الحَرِجَةْ، وانهيارِ الاقتصادِ العالميّ والخوفِ منَ المستقبلِ المجهولِ.
- حالةُ تلميذَيْ عمواسْ
تلميذَا عمواس نموذجٌ لكلِّ تلاميذِ المسيحْ:
الارتباك والتخبط: وجدتُ في حالةِ تلميذي عمواس اللذينِ التقى بهمَا السيد المسيحُ بعدَ قيامتِه رسالةً قويةً لنَا اليوم.. فمثلُ بقيةِ التلاميذِ، كانتْ لديهم آمالٌ كبيرةٌ في السيد المسيحِ، وفجأةً وجدوا أنفسَهم مشتَّتين، تائهين، متخبطين في العالمِ، لا يعرفونَ إلى أينَ يتَّجهون بحياتِهم.
مدينةُ عمواس:
يقول لوقا البشير: "وَإِذَا اثْنَانِ مِنْهُمْ كَانَا مُنْطَلِقَيْنِ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ إِلَى قَرْيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ أُورُشَلِيمَ سِتِّينَ غَلْوَةً، اسْمُهَا «عِمْوَاسُ»" (لو 24: 13).
عمواس قريةٌ صغيرةٌ على مسافةِ ما يوازي 11 كم من العاصمةِ أورشليم – القدس
-تحليلُ حالةِ تلميذيْ عمواس كما يسردُها لوقا البشير:
لذا، دعوني أقدِّم لكم هنا قراءةً لحالة تلميذي عمواس كما يعرضُها لوقا البشيرْ:
العودةُ لنقطةِ الصفرْ:
أولًا: كانَ التلميذانِ عائدَيْن إلى بلدتِهِما الصغيرةْ
فبعدما عاشَا مع المسيحِ لسنواتٍ وقضيَا كلَّ أوقاتِهِمَا معَه فجأةً انهارَ كلُّ شيءٍ بالنسبةِ لهمْ بسبب صلب المسيح
هل تتخيلون عُمقَ شعورِهما بالضياعِ والتيهِ والهزيمةِ؟
ثانيًا: نموذج بطرس والعودة للماضي (الصيد)
الحوارُ المتخبطُ الباحثُ عنِ الأملْ: يتحاكيانِ بما حدثَ وما يحدثُ
يذكُرُ لوقا أنهمَا "كَانَا يَتَكَلَّمَانِ بَعْضُهُمَا مَعَ بَعْضٍ عَنْ جَمِيعِ هذِهِ الْحَوَادِثِ" (لو 24: 14)
فلم يكنْ بيديهما أيُّ شيءٍ يفعلانه بعد هذه الصدمة غيرُ الحوارِ معا لعله يكون منفذًا لهما.
-كانَ الحوارُ يشير إلى اليأس
"وَلكِنْ، مَعَ هذَا كُلِّهِ، الْيَوْمَ لَهُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ مُنْذُ حَدَثَ ذلِكَ" (لو 24: 21)
هنا يلمح التلميذُ إلى أنَّ وعودَ المسيح بقيامتِهِ ثانيةً بعد ثلاثةِ أيامٍ لم تتحققْ
فكانَ الحوارُ حولَ الأملِ الذي حطمَهُ موتُ يسوع غيرُ المُتوقَّع فقد وضع التلميذان رجاءَهما في المسيحِ، وفجأةً ماتَ المسيحُ! مات بطَلُهما الذي عاشَا لأجلِ قضيتِه!
أصبح الموتُ والواقعُ المرئي أقوى من الرجاءِ في عيونِ تلميذَي عمواسْ
- انعدامُ الرؤيةِ والإدراكْ:
"وَفِيمَا هُمَا يَتَكَلَّمَانِ وَيَتَحَاوَرَانِ، اقْتَرَبَ إِلَيْهِمَا يَسُوعُ نَفْسُهُ وَكَانَ يَمْشِي مَعَهُمَا. وَلكِنْ أُمْسِكَتْ أَعْيُنُهُمَا عَنْ مَعْرِفَتِهِ." (لو 24: 15 – 16).
وصلَ الأمرُ بتلميذَي عمواس إلى حدِّ أنَّ المسيحَ بنفسِه ظهرَ لهما بينما لم يستطيعا أنْ يرَيَاه
كان يسوعُ بجوارِهما، بل كان يمشي معَهُما وإلى جوارِهِمَا في رحلةِ الرجوعِ للصفرِ وهما لم يدركَا ذلكْ!
تُرى، كم منَّا اليومَ يشعر بانعدامِ الأملِ أمامَ الظروفِ التي تقهرُه (والواقع الصعب الذي حوله) لدرجةِ أنهُ لا يستطيعُ أن يرى اللهَ إلى جوارِه مرةً ثانيةً؟
- إيمانُ التلاميذِ في أضعفِ حالاتِه:
الاستسلامُ للحزن: الغريبُ، والمثيرُ للدهشةِ في مثالِ تلميذَي عمواسْ، هو أنهُما استَمَعا لروايةِ القيامةِ أكثر منْ مرةٍ:
مرة من النساء الشاهدات على القيامة التي ذهبن باكرا عند القبر ولم يجدن جسد السيد المسيح وظهر لهم الملاك وأخبرهن انه قام، وروايةُ التلاميذِ الرجالِ الذين لم يجِدوا جسدَ المسيحِ في القبرِ.
وبرغم الدلائلِ التي تشيرُ إلى أنَّ رجاءَ القيامةِ انتصر على الموتِ لم يستطيعا أن يصدقا هذا واستسلم تلميذَا عمواس لحالةِ الحزنِ والكآبةْ. وسمحا للموت أن يميت الرجاءَ الذي لا يموت حقًّا!
- اللهُ في قلبِ المشهدْ:
"مَا هذَا الْكَلاَمُ الَّذِي تَتَطَارَحَانِ بِهِ وَأَنْتُمَا مَاشِيَانِ عَابِسَيْنِ؟" (لو 24: 17)، حينما ظهر المسيح لهما لم يعرفاه، وسألهما سؤالًا عاديًّا للغاية:
كان سؤال المسيح بسيطًا حول الموضوعِ الذي يتحدثانِ بشأنِه أثناءَ رحلتِهِما.
-هل أنت متغرب؟
"هَلْ أَنْتَ مُتَغَرِّبٌ وَحْدَكَ فِي أُورُشَلِيمَ وَلَمْ تَعْلَمِ الأُمُورَ الَّتِي حَدَثَتْ فِيهَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ؟" (لو 24: 18).
ردُّ كليوباس، أحد تلميذي عمواس، يُظهرُ شعورَهُما العميقَ باغترابِ المسيحِ عنهما
وكأنه يقولُ للمسيح هل أنتَ آخرُ من يعلم ما الذي حدثَ؟ هل أنتَ الوحيدُ "الغريبُ" في هذا العالمِ؟
ظنَّ تلميذا عمواس بذلكَ أنَّ المسيحَ هو أحدُ الحُجّاجِ القادمينَ إلى مدينةِ أورشليمْ – القدس لكي يحتفلَ بعيدِ الفصحِ معَ عمومِ الشعبِ، ولهذا لم يعرفْ ما جرَى.
لا يدركُ كليوباس وهو يقولُ هذه الكلماتِ أنهُ يكلمُ الشخصَ ذاتَه الذي حدثتْ هذه الأحداثُ لهْ...
-استعادة الفهم والمعرفة والرجاء:
"أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ وَالْبَطِيئَا الْقُلُوبِ فِي الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ!" (لو 24: 25)
وكأنه يقول لهما: "لا، المشكلةُ ليستْ في أنني لا أعرفُ ما حدثَ. بل ربما أنا أكثر شخصٍ يعرفُ بالتفصيل، أعرفُ ذلك وآثارُ الأحداثِ مازالتْ باقيةً على جسديْ".
كأنَّه يقولُ لهمْ: "السؤالُ الحقيقيُّ هو: هل تفهمون أنتم حقًّا؟"
- رحلةُ اللهِ معَ البشريةِ نحوَ رؤيةِ الحقيقةْ:
الله بجوارِنا في اللحظةِ الراهنة، حتَّى لو لمْ نرَاه:
وضوح الرؤية: رغمَ أن تلميذَي عمواسْ لم يتعرفَا على يسوع المسيح القائم من الموتِ، إلا أنه استمرَّ يسيرُ بجانبِهِما طوالَ الرحلةِ.
اللهُ حيٌّ، يقفُ بجانبِنا، يساندُنا وقتَ الشدةِ، يتعامل مع بطء فهمنا وضعف إيماننا ومازال مستمرًّا في تعليمِنا وتشكيلِ قلوبنا وأذهانِنا.
هذا معنى احتفالنا بالعيد؛ فرغم الظروف التي تحني كاهلنا، وتعيق رؤيتنا وإحساسنا بمعيَّةِ الله، فإنه حاضر معنا، يسير إلى جوارنا. فمسيرةُ المسيحِ معَ تلميذَي عمواس تُشبِه مسيرتَه مع كلِّ المؤمنينْ: في البداية لا نعرِفُه، وقد لا نفهَمُهُ، غير أننا سندركه إذا انفتحت عيوننا.
- المسيح يلبِّي نداءَ تلاميذِه:
لا يتخلَّى عنا: تظاهرَ المسيحُ بأنه سيرحلُ ويبتعدُ عن التلميذَيْن، تظاهرَ أنهُ ذاهبٌ في طريقٍ آخر لئلا يفرضَ نفسَه عليهمْ.
ولكن يقولُ لوقا إنهما حينما طلبَاه أنْ يمكثَ معَهُما، لبى النداءَ في الحالِ وتوجَّه معَهُمَا لمنزلِهِما (لو 24: 28 – 29).
اللهُ لا يتأخرُ عن المحتاجينَ إليهِ، فقط يتطلبُ الأمرُ أنْ نطلبه من قلوبنا ونرفعَ عيونَنا إليهِ لنشعرَ بمعيتِه ورعايتِه.
- المسيح يشرحُ الكتابَ المقدسْ:
الرجاء وكلمة الله: استمرَّ يسوعُ يشرحُ للتلميذينِ كيفَ أنَّ الرجاءَ حقيقيٌّ وأنهُ أقوى من الموتِ، مستخدمًا أسفارَ العهدِ القديمْ في (لو 24: 27).
هذا هو الملجأُ الأولُ الذي ذهبَ لهُ المسيحُ ليشرحَ التعليمَ الصحيحَ والحقيقيَّ، لكي لا يفقدَ التلاميذُ رجاءَهم الحقيقيَّ.
وتبقى كلمةُ الله هي الأساسَ الصلبَ الذي عليه يقومُ الرجاءُ الحقيقيُّ القادرُ على مواجهةِ العواصفِ والصعابْ.
أدعوكم يا أحبائي وسط صعوبات الحياة أن نجري إلى كلمة الله، فنجد فيها قوةً ودعمًا.
وأذكِّركم بما قاله النبي إشعياء للشعب قديمًا:
"إِلَى الشَّرِيعَةِ وَإِلَى الشَّهَادَةِ. إِنْ لَمْ يَقُولُوا مِثْلَ هذَا الْقَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ فَجْرٌ!"
(إش 8: 20).
هذا الفجرُ الجديدُ، والأملُ الجديدُ، لا سبيل إليهِمَا، ما لم يكنِ الكتابُ المقدسُ مركزيًّا في حياتِنَا كلَّ يومْ.
ليكن هذا شعارنا: حينما يتكلمُ الكتابُ المقدسُ فإنَّ اللهَ يتكلمْ.
لم يُحسِن تلميذا عمواس الاستماعَ لكلمةِ اللهِ، فهل نُحسِنُ نحنُ الانتباهَ والاستماعَ لها اليومْ؟
- المسيحُ يعلنُ عن نفسِه في كسرِ الخبزْ:
الإعلان: أعلنَ المسيحُ عن نفسِه في الوقتِ المناسبِ، حينَمَا كسرَ الخبزَ معَ التلاميذْ.
يستخدمُ لوقا نفسَ الكلماتِ التي استخدَمَها المسيحُ أثناءَ تأسيسِ سرِّ الشكرِ (كسر الخبز) الذي نحتفلُ به يومَ خميسِ العهدْ:
"أخذ خبزًا.. باركَ.. كسرَ.. ناولَ" (لو 24: 30).
يكتب لوقا هذه الأفعالَ وهو يعرفُ كيفَ أن الجماعةَ المسيحيةَ تكسرُ الخبزَ في وقتِ العبادةِ الأسبوعيْ.
ما يريدُ لوقا أنْ يقولَهُ هو أنَّ اللهَ حاضرٌ وسطَ شعبِه.
فقصةُ تلميذي عمواس بأكملِها تجسدُ عبادةَ الكنيسةِ:
قراءةَ الكتبِ المقدسةْ، ثم التناولَ من مائدةِ الربْ، وهكذا يُستعلن حضور الله في وسطنا.
- الرجاء يُولد في رحمِ العبادةْ:
العبادة والثقة: إنها دعوةٌ للاستمرارِ في عبادتِنا، وثقتِنا، خصوصًا في أوقاتِ الأزمةِ. فحتى وسطَ أزماتِ كورونا، وكلِّ ما تسبَّب فيه الوباءُ، يمكننا أن نظلَّ عابدينَ وستلتهبُ قلوبُنا بحضورِ الله وسطَ عبادتِنا.
وحتى إن لم تقوَى قلوبُنا على العبادةِ، فلنثقْ أن الله يسندنا حينما يرى أنَّ إيمانَنا يصارعُ على كافةِ الجبهاتْ.
- اللهُ يُعلن حضورَه في الوقتِ المناسب:
استجابة الله في الوقت المناسب: أذكِّركم يا أحبائي بقولِ النبي حبقوق حينما كان وسطَ الأزمات، فقال لشعبِه:
"لأَنَّ الرُّؤْيَا بَعْدُ إِلَى الْمِيعَادِ، وَفِي النِّهَايَةِ تَتَكَلَّمُ وَلاَ تَكْذِبُ. إِنْ تَوَانَتْ فَانْتَظِرْهَا لأَنَّهَا سَتَأْتِي إِتْيَانًا وَلاَ تَتَأَخَّرُ." (حب 2: 3).
فحتى لو شعرنا بأنَّ حضورَ اللهِ تأخَّرْ، فلنثقْ أنهُ سيأتي في موعده المناسب.
- استردادُ يقينِ الرجاءْ:
الرجاء وتجديد الدعوة: حينما أعلنَ المسيحُ عن حضورِهِ للتلاميذِ في مدينةِ عمواس، تركوا البلدةَ في الحال وعادوا إلى أورشليم وهم يشاركونَ رفقاءَهم التلاميذَ بكلمةٍ واحدةٍ فقطْ:
"إِنَّ الرَّبَّ قَامَ بِالْحَقِيقَةِ" (لو 24: 34)، لقد استردوا رجاءهم الأقوى من الموت.
فلنتمسك بالرجاء الحقيقي؛ لأنه أقوى من الموت، ومبني على كلمةِ الله الثابتةِ التي لا تتغيرُ. فاللهُ معنا، حتى إن عجزتْ عيونُنا عن رؤيتِه.. إخوتي: لا تطرحوا ثقتَكُم..آمينْ.