قال الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف إن القرآن الكريم هو كتاب الكمال والجمال، كيف لا ؟ وهو كلام الله، أعذب الكلام وأعظمه وأحسنه وأبلغه وأصدقه، فمن وجوه الكمال المعنوي يحدثنا القرآن الكريم عن الصبر الجميل، فيقول سبحانه: " فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ".
وتابع وزير الأوقاف خلال الحلقة الثامنة عشرة من برنامج "رؤية" للفكر المستنير، اليوم الجمعة، والذي يذاع على القناة الفضائية المصرية: "الصبر الجميل هو الذي لا شكوى معه، وهو الذي يوفى فيه الصابرون أجرهم بغير حساب، قد يكون صبرًا على الطاعة، قد يكون صبرًا عن المعصية، قد يكون صبرًا عند الشدائد، قد يكون صبرًا وكظمًا للغيظ، يقول سبحانه: " وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ"، ويقول سبحانه: " وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"، هو صبر الرضا عند القضاء والقدر، إذا ابتلى الله ( عز وجل) عبده في ولده أو فلذة كبده أو في حبيب له قال لملائكته: ياملائكتي قبضت فلذة كبد عبدي، فماذا كان منه، يقولون: حمد واسترجع، أي قال الحمد لله إنا لله وإنا إليه راجعون، فيقول رب العزة سبحانه: ابنوا لعبدي هذا بيتًا في الجنة وسموه بيت الحمد، "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ".
وأكمل: ومن أجمل ما جاء في صبر الرضا ما كان من التابعي الجليل سيدنا عروة بن الزبير بن العوام حين فقد ابنًا من أبنائه وابتلي في الآونة نفسها بقطع ساقه، فقال راضيًا محتسبًا: اللهم إنك إن كنت قد ابتليت فقد عافيت، وإن كنت قد أخذت فقد أعطيت، لقد أعطيتني أربعةً من الولد فأخذت مني واحدًا وأبقيت لي ثلاثة، وأعطيتني أربعة أطراف يدين ورجلين، فأخذت مني واحدًا وأبقيت لي ثلاثة، ودخل عليه إبراهيم بن محمد بن طلحة قائلًا: أبشر يا أبا عبد الله فقد سبقك ابن من أبنائك وعضو من أعضائك إلى الجنة، فقال ما عزاني أحد أحسن مما عزيتني به، هذا هو الصبر الجميل، وهناك الصفح الجميل، حيث يقول رب العزة لنبينا (صلى الله عليه وسلم): " فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ"، وهو الصفح الذي لا مَنَّ معه، وهو ما كان من حبيبنا (صلى الله عليه وسلم).
وأضاف: علينا أن نتعلم من أخلاقه ومن هديه وصفحه وعفوه وسماحته ورحمته (صلى الله عليه وسلم)، عندما دخل مكة فاتحًا منتصرًا وهم الذين آذوه وأخرجوه وآذوا أصحابه قال قولته المشهورة التي سجلها التاريخ بحروف من نور: يا أهل مكة ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، فقال (صلى الله عليه وسلم): "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، ولما سلط عليه أهل الطائف عبيدهم وصبيانهم يرمونه بالحجارة حتى سال الدم من قدميه الشريفتين (صلى الله عليه وسلم)، وجاءه الأمين جبريل (عليه السلام): "يامحمد لو شئتَ لأطبقنا عليهم الأخشبين" فيقول لا يا أخي ياجبريل، ولكني أقول: "اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون، فلعل الله (عز وجل) أن يخرج من أصلابهم من يقول لاإله إلا الله" فيقول الأمين جبريل عليه السلام: صدق من سماك الرءوف الرحيم، "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ"، هذا رسولنا (صلى الله عليه وسلم)، وهذا ديننا، وهذه أخلاقنا.
وقال: "هذا صيامنا، يحثنا على الرحمة والعفو والتسامح، فمن شيم الكرام العفو عند المقدرة، وتحدث القرآن الكريم عن الهجر الجميل على أذى الآخرين فقال لنبينا (صلى الله عليه وسلم): "وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا"، والهجر الجميل هو الذي لا أذى معه ولا يقابل السيئة بالسيئة، بل يقابلها بالحسنة، كما تحدث القرآن الكريم عن السراح الجميل وهو الذي لا عضل فيه للمرأة، ولا ظلم لها، ولا بخس لها، ولا هضم لحقوقها، حيث يقول سبحانه: " وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا"، ويقول سبحانه:" فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ"، فينبغي على كل من الزوجين أن يتذكر ما كان بينهما في سابق الأيام من عشرة وعهد وحسن خليقة، يقول سبحانه: "وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ"، لو طبق الزوجات ذلك فيما بينهما، والشركاء ذلك فيما بينهم، والزملاء ذلك فيما بينهم، والأصدقاء ذلك فيما بينهم، لوفرنا كثيرًا من المشكلات، وسبل التقاضي، وازدحام المحاكم، ولعم التسامح والرحمة، يقول رب العزة سبحانه في الحديث القدسي: " أنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَينِ مَا لَمْ يَخُنْ أحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَهُ خَرَجْتُ مِنْ بَينِهِمَا"، فعلينا أن لا ننسى الفضل، سواء كنا شركاء، أم كنا زملاء، أم كنا أصدقاء، أم كنا أزواج، لا ننسى ما كان بيننا من مودة.
وبين: الكريم من يحفظ العهد ويحفظ العشرة، ويحفظ المودة، ويحفظ سابق العهد، وكما تحدث القرآن الكريم عن الصبر الجميل والصفح الجميل والهجر الجميل والسراح الجميل ؛ تحدث عن العطاء الجميل، وهو الذي لا مَنَّ فيه على المعطى، يقول سبحانه وتعالى في كتابه العزيز:" الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"، ويقول سبحانه: "قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ"، ويقول سبحانه وتعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ"، فالعطاء الجميل هو الذي لا مَنَّ فيه على أحد، فأنت تعطي من فضل الله، من مال الله عليك، يقول الحق سبحانه وتعالى: "يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ"، وتحدث القرآن الكريم عن التحية الجميلة، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: "وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا"، والتحية الجميلة هي الخالصة لوجه الله تعالى التي تبذل للفقير قبل الغني، وللضعيف قبل القوي، لا كما قال الشاعر:
يحيي بالسلام غني قوم
ويبخل بالسلام على الفقير
أليس الموت بينهما سواء
إذا ماتوا وصاروا في القبور
ونختم بالعيشة الهنية الجميلة التي نسأل الله أن يجعلها حسن خاتمة لنا، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: "فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ".
ودعا الله أن نكون منهم وأن يجعلنا من أهل الحياة الهنية، والعيشة الهنية، وأن يختم لنا ولكم بحسن الخاتمة، وبالسعادة في الدارين، إنه ولي ذلك والقادر عليه، "رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ".