يدخلنا يوم الخميس العظيم في السر الفصحي، إذ يحيي ويحضر أمامنا القسم الأول من هذا السر والذي جرى في العلّية؛ فنقرأ في صلاة السحر، بعد المزامير والطروبارية، الإنجيل (لو1:22- 39) الذي يسرد الأحداث التي حصلت ابتداء من حديث يهوذا مع اليهود إلى الوقت الذي ترك فيه يسوع العلّية ليذهب إلى جبل الزيتون.
الغسل الشريف
تأتي إليّ يا مسيح لكي تغسل قدمي، فلا تسمح لي أن أحتّج على تواضعك المفرط الذي يجعلك تركع أمامي لتغسلني.وتقول لي: "إنْ كنت لا أغسلك فلا نصيب لك معي".
يشير يسوع، بهذه الكلمات، إلى أمرين، الأول، يجب أن نسمح لأنفسنا بأن تتطهّر من خطاياها، تتطهّر من غبار الطريق اليومي كما من الأدناس العظمى. "ليس رجلي فقط يا مسيح بل يدي ورأسي أيضاً"، كما قال بطرس. حتى يكون للإنسان نصيب حقاً مع المسيح، يجب أن يساهم فيه بتواضعه واستسلامه للمسيح. أن يكون لك نصيب مع المسيح يعني أن يكون لك نصيب مع الله - الإنسان الذي يغسل أرجل البشر. سيكون لي نصيب مع المسيح الذي يغسل الأرجل إذا سمحتُ له أن يغسل قدمي وإذا كنتُ، أنا نفسي، على مثاله، أغسل أرجل الآخرين. "وإذا كنتُ أنا المسيح والمعلّم غسلت أرجلكم، فيجب عليكم أنتم أيضاً أن يغسل بعضكم أرجل بعض".
العشاء السري
العشاء الأخير هو سّر العليّة المركزي. ويظهر الرّب يسوع، حقاً، الموزِّع والموزَّع، الذي يعطي ذاته لنا في الإفخارستيا. إذ نستقبل في هذا السّر خبز الحياة، جسد ودم المخلّص، فكلّ المؤمنين الأرثوذكس الذين يقتربون من المائدة المقدسة يؤمنون أن هذه النقطة لا تحتاج إلى توسّع وشرح.
إنّ الإفخارستيا هي ذبيحة المسيح من أجلنا، قبل أن تكون حضور المسيح فينا. من المهمّ أن نتذكر، في يوم الخميس العظيم هذا، بشكل خاصّ، الرابط الذي أراد رّبنا أن يقيمه ما بين وجبة العشاء في العليّة والفصح اليهودي، وبين هذه الوجبة نفسها والآلام.
كلّ إفخارستيا هي وجبة ذبائحية. ففي كلّ مرّة نتناول جسد المسيح الذي يُكسر ودم المسيح الذي يُهراق، نكون في شركة مع آلامه، ونشترك في ذبيحته. علينا أن نكسر أنفسنا ورغباتنا الأنانية ومشيئتنا ونقّدمها، يجب أن نغمد سكين المذبوح في قلوبنا. المناولة هي كسر روحي. ولكن يجب أن لا ننسى أنّ الذبيحة الفعلية لا تستنفذ كامل مفهوم الأضحية، فقبول الله للضحيّة جزء تكميلي منها، فعشاء العليّة وليتورجياتنا الإفخارستية ليست سّر آلام الرب فقط، بل سّر تمجيده وسّر جواب الآب أيضاً، كما تكشف القيامة والصعود.
صلاة الجسمانية
قد أحب يسوع هذا المكان حيث كان يأتي للصلاة. وهنا في هذا المكان وبعد ان احتفل بالفصح أو الوليمة الفصحية مع تلاميذه، قد أمضى يسوع الساعات الأخيرة قبل اعتقاله وبدء آلامه. وهنا أيضاً وفي لحظات النزاع العميقة التي سبقت خيانة يهوذا والقبض عليه، ، كان قد سعى بمفرده للحصول على تعزية الآب السماوي؛ وهنا سجد متكأ على الصخرة، حيث نازع وعرّق دماً. كما أنه في هذه الحديقة حيثُ كان يُعصَر الزيتون ويُعطي الزيت القيّم، كذلك الامر بالنسبة ليسوع، حيث أنه أصبح هو بمثابة زيت ودواء وطيب لخلاص العالم. وكما أن آدم قد خُلِقَ في حديقة وتعرّض للتجربة وهُزِم من قبل الشيطان، فقذ ذهب يسوع إلى البستان وجعله الشيطان يُعاني على الأرض، إلا أن يسوع انتصر على التجربة. لقد حانت الساعة: ويسوع جاهز لكي يشرب من كأس إرادة الآب.
خيانة يهوذا
يدعونا يوم الخميس العظيم لتأمل خيانة يهوذا. إن هذه الخيانة كانت قد تمت عندما اتفق يهوذا مع الكهنة اليهود على أن يسلّمهم السيّد، لكنها ظهرت بصورة أشد فظاعة في العلّية، أثناء العشاء الأخير: (الذي يأكل معي الخبز رفع عليّ عقبه… الحق الحق أقول لكم إن واحداً منكم سيسلمني… هو ذاك الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه. فغمس اللقمة وأعطاها ليهوذا الاسخريوطي، فبعد اللقمة دخله الشيطان) (يو18:13، 21، 26، 27).
يقبل يهوذا، وقد دخلت الخيانة قلبه، اللقمة المقدّمة من يسوع ! إننا، لا شك، نمقت عمله هذا، لأنه دنّس مائدة الرب. لئن كم من مرة جلسنا نحن أيضاً إلى هذه المائدة بدون أن نطهر قلبنا كما يليق ؟ كم من مرة سقطنا في الخطيئة بملء إرادتنا وبعد اشتركنا في عشاء الرب ؟ خان يهوذا سيّده مرة واحدة، نحن نخونه باستمرار. قال يسوع ليهوذا: (ما يجب أن تعمله، فاعمله بسرعة) (يو27:13). فخرج يهوذا ليتمم عمله، و (كان ليلاً) (يو30:13). كان الظلام يعمّ كل مكان خارج العلّية وفي قلب الخائن.
يشتمل كلام يسوع هذا، داعياً يهوذا للخروج لإتمام جرمه، على عمق ورحمة أوسع بكثير مما يبدو لأول وهلة. يقول لنا الإنجيلي الرابع أن الرسل اعتقدوا أن يسوع كان قد كلّف يهوذا بشراء بعض الأشياء، أو بإعطاء بعض النقود للفقراء لكي يقيموا العيد. وكان هذا الاعتقاد صحيحاً بمعنى لم يتوقعه الرسل، إذ أرسل يسوع يهوذا لشراء حمل الله الفصحي بثلاثين من الفضة، لأنه، بعمله هذا أي بتسليمه سيّده – أعطى يهوذا العالم ضحية الفصح المزمعة أن ترفع كل خطيئة. إن الكرم الذي أظهره يسوع في عمله الفدائي يفوق ويغمر كل الخيانات.
إنكار بطرس
وأما التلاميذ فخرجوا بعد العشاء إلى جبل الزيتون إلى قرية تُدعى جسمانية. فبعد أمور كثيرة قال لهم يسوع "كلكم تشكون بي في هذه الليلة" فقال بطرس "إن جحدك الكل أنا لا أجحدك". وكان مساء أعني ليلاً عميقاً فقال له يسوع "قبل أن يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات" لأن في أثناء ذلك صاح الديك ليس مرة بل مرتين وثلاث مرات. فكذلك أحاق ببطرس خوف عظيم واظهر لله ضعف الطبيعة.
أن الله الذي خلق طبيعتنا البشرية، يعرف ضعفاتها.. بينما هذه الطبيعة البشرية التي لا يعرف ذاتها.. كثيرًا ما تكون واثقة أزيد مما يحب
الله الذي يعرف الطبيعة البشرية، يعرف أن تلميذه المتحمس الغيور، بطرس، يمكن أن ينكره ثلاث مرات، في دقائق قليلة، أمام جارية بعض وبعض الخدم، وليس أمام رؤساء لهم خطورتهم.. هكذا كانت الطبيعة البشرية أمام الرب. ولذلك قال لبطرس ينذره "هوذا الشيطان طلبكم لكي يغر بلكم كالحنطة. ولكني طلبت من أجلكم لكيلا يفني إيمانكم" (لو 22: 31، 33) أما بطرس الواثق بنفسه أزيد من واقع الضعيف، فإن رد علي الرب في ثقة بذاته قائلًا "إني مستعد يا رب أن أمضي معك حتى إلي السجن وإلي الموت" (لو 22: 33).
خدمة الآلام والصلب
في هذه الصلاة( وهي للتذكير، سحر الجمعة) نكمل آلام مخَّلصنا يسوع المسيح المقدسة الخلاصية الرهيبه وعلى الأخص الصليب والموت، التي اقتبلها طوعاً ولأجلنا
الخدمة طويلة بما تشتمل عليه من قراءات انجيلية معظمها طويل. القصد أن نحس بالتعب لنشارك، ولو بنذر يسير، في ما احتمله المسيح .نجاوب على كل قراءة انجيلية بعبارة:
” المجد لطول اناتك يارب المجد لك. نخرج من الكنيسة حاملين ألمه لنعود في الصباح لإنزاله عن الصليب مثل يوسف ونيقوديموس، المسيح مات عوض عنا. ارتضى بالعقاب العائد الينا من جراء ابتعادنا عن الله، وباتخاذه طبيعتنا اتخذ كل ثنايا العطب فيها: حطم الموت بالموت. بهذا يصبح الصليب، بذل الذات، أداة غلبة.
يذكر أن هناك اختلافات من كنيسة الروم ليست من تقليدهم . ويجب الانتباه اليها : فزيارة ٧ كنائس يوم الخميس العظيم، هذا التقليد رغم أنه ليس مرفوضا ، الا انه غير موجود عند الروم الذين يحيون يوم الخميس مساء رتبة اناجيل الالام الاثني عشر ورتبة الصلب ، ويرتلون : "اليوم علق على خشبة " .
لا يسمي الروم هذا الخميس ب "خميس الغسل"، بل يسمونه "الخميس العظيم" ، ولا توجد رتبة غسل الارجل عند الروم الا في كنيسة اورشليم، وفي الكنيسة الروسية يقوم البطريرك بهذه الرتبة. وهي ان حصلت في بعض الكنائس الارثوذكسية المتفرقة هنا وهناك ، الا انها ليست رتبة "عامة" لدى الروم جميعا.
اضافة لذلك يقول البعض "خميس السكارى" او "الذكارى" :
هذه عادة غير موجودة عند الروم . اذ انهم "يذكرون موتاهم" يوم السبت الذي يسبق احد مرفع اللحم ، ولا يسكرون يوم الخميس الذي يسبق احد مرفع الجبن.