أيقونة الصلب كما كل الأيقونات الأرثوذكسية ليست مجرد لوحات فنية، بل هي إنجيل مفتوح نتعلم من خلاله العقيدة الصحيحة من خلال الرموز والألوان؛ اليكم كيف نقرأ أيقونة الصلب و نستخلص منها التعليم الصحيح.
شرحها
أحياناً تكون الخلفية ذهبية والنور يشع من الأيقونة دلالة على حضور مجد الرب وملكوته. أما الصليب فهو ينطلق من الأرض وفي بعض الأيقونات يصل إلى أعلاها أي إلى السماء. هو السلم الإلهي الذي من خلاله نعود الى الخالق، جذوره ثقبت الجحيم. للصليب ثمانية أطراف، في جزئه العلوي رقعة علة الصلب، مكتوب عليها ملك اليهود، أما أسفله فهناك مجلس القدمين حيث سمرت القدمان.
المصلوب:
المخلص يحتل مركز الأيقونة، هو ليس منهك القوى ولا مسحوق بسبب آلامه. جسده بهي هادئ معلق بطريقة إلهية فائقة الخفة، مقوس قليلاً ومنحنٍ نحو أمه، يحتفظ بكامل مجده وهيبته وعظمته. عيناه مغلقتان، فطبيعته البشرية ماتت فعلاً على الصليب، ولكن طبيعته الإلهية ما زالت مصانة بالكامل وباتحادٍ كاملٍ مع طبيعته البشرية رغم الموت. هو الضابط الكل المزمع في هذه اللحظة أن ينحدر الى الجحيم ليبشر الراقدين في الظلمة، ويقيم طبيعته الإنسانية ومعها كل جنس البشر.
نكتبه في الأيقونة عارياً لابساً فقط قطعة قماش بيضاء تغطي منطقة الخصر. يبسط يديه أفقياً، فاتحاً راحتيه متأهباً لاحتضاننا. رجلاه مسمرتان بمسمارين بحسب تقليد الكنيسة وكل أيقوناتها القديمة، إضافةً لطريقة الصلب الرومانية هما ملتصقتان ببعضهما بينما ركبتاه مطويتان قليلا، وعظامه بارزة.
والدة المسيح ويوحنا.
هما يقفان تحت الصليب بسكون وهدوء، هما حزينان إنما دون اضطراب أو هيجان، ألَمُهما بادٍ على وجهيهما بشكلٍ راقٍ ونبيل.
مريم الى يمين المسيح دائماً، (مز ٤٥ : ٩ ) " قامت الملكة عن يمين الملك " تشير بيدها اليمنى إلى المصلوب، فهي حتى في قمة محنتها وأثناء انغراس السيف في قلبها، بقيت متماسكة، لم تنسى دورها. هي توجه أنظارنا إلى المسيح ، وتدعونا للتأمل معها بسر الخلاص الذي تم بموت ابنها.
يد العذراء اليسرى قرب حنجرتها تعبيراً عن شدة الألم. هي تلبس الأزرق تعبيراً عن إنسانيتها وفوقه ملتحفة برداءٍ أحمر قاتم رمزاً للنعمة الإلهية التي ظللتها، و هنا نعود لبشارة الملاك جبرائيل لها: (لو ١; ٣٥) "قوة العلي تظللك". ثلاث نجوم تظهر على جبينها وكتفيها، رمزاً لدوام عذريتها قبل الولادة وأثناءها وبعدها.
على يسار المسيح يقف يوحنا التلميذ الحبيب الغارق في التأمل . يلبس أحمر إشارة لمحبته للمسيح، فهو الوحيد بين التلاميذ الذي لم يهرب، بل رافق السيد حتى الرمق الأخير، هو ينظر الى العذراء متقبلاً إياها أماً له تنفيذاً لطلب المسيح (يو ١٩ : ٢٦ ، ٢٧ ) " فلما رأى يسوع أمه، والتلميذ الذي كان يحبه واقفا، قال لأمه:
يا امرأة، هوذا ابنك. ثم قال للتلميذ: هوذا أمك. ومن تلك الساعة أخذها التلميذ إلى خاصته".
لونجينوس قائد المئة:
يقف خلف يوحنا متعجباً من عظمة الحدث، هو يرفع بيده اليمنى الحربة وينظر إلى المصلوب مقراً بلاهوته، (مر ١٥: ٣٩) "حقاً كان هذا الانسان ابن الله".
النسوة:
مريم المجدلية ومريم امرأة كليوبا تقفن خلف العذراء بألم وحزن شديد.
الشمس والقمر:
أظلما ساعة الصلب بوجهيهما البشريين. إنهما يمثلان الطبيعة المرتعبة من موت طبيعة المسيح البشرية، (متى ٢٧ : ٤٥) " وَمِنَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ إِلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ".
أورشليم:
هي المدينة الأرضية التي رفضت المسيح، فصلبته خارج أسوارها، هي ايضا ستتجدد مع قيامة المسيح
المغارة (الجحيم) وعظام آدم
الصليب يخترق الصخرة فيشققها. وفي أسفلها مغارة مظلمة فيها جمجمة آدم وعظمتيه. قطرات الدم المنسكب من الجنب المطعون ومن جراح اليدين والقدمين تسقي جمجمة الجد الأول. إنها معمودية آدم. فالمسيح بانحداره إلى الجحيم أعاد الحياة إلى العظام اليابسة، (يو ٥ : ٢٨ ، ٢٩) "لا تتعجّبوا من هذا، فإنّه تأتي ساعة فيها يسمَع جميعُ الذين في القبورِ صوتَه، فيخرجُ الذين فعَلوا الصالحاتِ إلى قيامةِ الحياة، والذين عمِلوا السيئاتِ إلى قيامةِ الدينونة".
معمودية عظام آدم هي انتصار الحياة بالميسيح على الموت، إنها تجدد الخليقة وتمزيق الصك المكتوب ومغفرة الذنوب، الآن بات بإمكاننا العودة الى الرب.
في بعض الأيقونات نرى الملائكة تحمل الكأس المقدسة تجمع فيها الدم والماء النابعين من جنب المصلوب وأحياناً من جراح مسامير اليدين أيضاً، و هذا تأكيداً من الكنيسة بأن الدم والماء هما رمزان لسرّي الإفخارستيا والمعمودية.