الإثنين 06 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

الأخبار

داعية يبين صور التراحم المجتمعي وأثره في تهذيب السلوك

 الدكتور أسامة فخري
الدكتور أسامة فخري الجندي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
واصل الدكتور أسامة فخري الجندي، مدير المساجد والداعية بوزارة الأوقاف، حديثه الرمضاني حيث التراحم المجتمعي وأثره في تهذيب السلوك.
وقال إن التراحم بين الخلق يعني نشر الرحمة بينهم، يعني التآزر والتعاطف والتعاون، يعني بذل الخير والمعروف والإحسان لمن هو في حاجة إليه، وقد وصف الله تعالى نفسه بالرحمة في كثير من الآيات القرآنية، فقال سبحانه: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾. وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾. وقال سبحانه: ﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾، ومن صور التراحم المجتمعي يشير إلى صلة ذوي الرحم، فالرَّحِمُ شَجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ...والنَّسَبَ والصِّهْرَ دائرتان من دَوائر الرَّحِم وإن بَعُدَا.. وإن من أبرز العبادات التعاملية "صلة الرحم"، فقد قال الله عز وجل: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى ﴾
وقد قرن النبي صلى الله عليه وسلم هذه العبادة التعاملية بالصلاة والزكاة، فعن أبي أيوب الأنصاري أن رجلًا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: (( أخبرني بعمل يُدْخِلُني الجنَّةَ، ويباعدني من النار، فقال القوم: ما لَهُ؟ ما لَهُ؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أرَبَّ ما لَهُ؟ تعبدُ الله لا تُشْرك به شيئًا، وتقيمُ الصلاةَ وتُؤتي الزكاةَ، وتَصِلُ الرَّحِمَ )) [أخرجه البخاري ومسلم ]
وتابع: عن عظيم قدر ومنزلة واصل الرحم وثوابه الوفير، يقول عمر بن دينار: ما من خطوةٍ بعد الفريضة أعظم أجرًا من خطوةٍ إلى ذي رحم، ثوابها معجلٌ في الدنيا، ونعيمٌ مدخرٌ في الآخرة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (( إن أعجل الطاعة ثوابًا صلة الرحم )) [أخرجه الطبراني في المعجم]
ولفت إلى أنه من أجمل التعبيرات النبوية التي تبرز قيمة الرَّحم ما أخرجه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رَضِي اللَّه عَنْه) عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: "إِنَّ الرَّحِمَ شَجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ اللَّهُ: مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ"، والشَّجْنَةُ هي عروق الشجر المتشابكة، وأي إنسان ما هو إلا حلقة في سلسلة، وعقدة في شبكة، فلا ينبغي أن يقطع ما حوله، فلننتبه إلى هذا المعنى المحمدي العميق المنير.
كما أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا؛ فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا "، أو قال: ذِمَّةً وصِهْرًا ".
قال الشنقيطي: أَفَادَ لفظُ الحديث النفيس أن النَّسَبَ والصِّهْرَ دائرتان من دَوائر الرَّحِم وإن بَعُدَا؛ ذلك أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم) أَمَرَنَا أن نَستَوصِيَ بِأَهلِ مِصْرَ خَيرًا؛ إذ إنَّ هاجر أم إسماعيل، ومارية أم إبراهيم كانتا منهم، فإذا وَصَّاكَ نَبِيُّكَ صلى الله عليه وسلم) بِرَحِمٍ قائمٍ في نَسَبٍ وَصِهر مع تَبَاعُد الأزمان والبُلدان، فَكَيفَ تَكون وَصيته لِرَحمك القريب كالآباء والإخوة والأعمَام.
وبين أنه من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم)قد جاء ومهمته الأولى هي الإنسان، جاء ليحقق انسجام الإنسان مع سائر الكون، جاء ليهدي الإنسان إلى تحقيق المقاصد العليا للمكلِّف، جاء ليضع له القوانين التي يهتدي بها في سائر شئون حياته، جاء ليضع له الحلول التي يستطيع بها أن يواجه الأزمات التي يتعرض لها.
وقال الجندي إنها قِيَم رصينة رسّختها سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من خلال أقواله وأفعاله وأحواله وتصرفاته، نستطيع أن نجملها تحت عنوان، ((الإنسانية... وطن المؤمن))، وهذه القيم استفدناها من قول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ؛ ليؤكد هُوِيّة النبوة: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } [الأنبياء: 107].
وبين أن من مقاصد النبوة التي يجب تأسيس الأجيال عليها:
• مقاصد تؤسس للألفة لا للفرقة. ((فقه الجسد الواحد))
• مقاصد تدعو للحركة المتعاونة لا المتعاندة. (( فقه العمارة ))
• مقاصد ترغب في احتكاك الرأي لا تحكك الرأي. (( فقه الاختلاف))
• مقاصد تؤصل دوائر الخير. تنبذ دوائر الشر. ((فقه صناعة الجمال))
• مقاصد تدعوا إلى التسامح والرحمة لا العنف والقسوة. ((فقه التآلف))
• مقاصد تربي فينا اللُّحمة الواحدة في الوطن الواحد وإن تعددت الأديان ((فقه التعايش السلمي والمواطنة )).
• مقاصد تؤسس للتدافع لا للصراع. ((فقه البنيان المرصوص))
• مقاصد تُعَمِّقُ قيم الحب والرحمة والوَحدة بين أفراد المجتمع. ترفض الغضب والكراهية والفِتن. (( فقه المشتركات الإنسانية))
• مقاصد توجه نحو التكافل والتراحم ((فقه الشعور بالآخر)).
• مقاصد جاءت ليصنع المؤمن جمالا في الوجود مع نفسه ومع بني جنسه ومع الكون كله....((فقه الإحسان)).
وقال إن من صور التراحم المجتمعي: فقهَ الشعور بالآخر وهذا يستدعي إعانةَ الضعيف والفقير والمظلوم والمحتاج، والسعيَ نحو الإصلاح بين المتخاصمين، والتأكيد على مفهوم الجسد الواحد، حيث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن تتسع دوائرُ الخير عند كل إنسان منا، وأن تتجاوز نفسه إلى أسرته إلى عائلته إلى مجتمعه إلى وطنه إلى الأمة، فيعم الخير الكلَّ.
وأردف: نفهم كلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَحَبُّ النَّاسِ إلى اللهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ...." [أخرجه الطبراني].. وهذه أعلى صفات الإيمان ؛ لأنها تتمثل في الرحمة للعالمين.
فقد ورد عن أبي ذر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال: سألت النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ماذا ينجي العبد من النار ؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((الإيمان بالله )) وهذا هو الأصل... فقال يا نبي الله: مع الإيمان عمل؟ قال: ((أن تعطي مما أعطاك الله )) أي: أن تنفق، أن تعطي، أن تتصدق، أن تجود، أن تكون كريمًا.قلت يا نبي الله: فإن كان فقيرًا لا يجد ما ينفق أو ما يعطي؟ فقال:((يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر ))، قلت يا رسول الله: إن كان لا يستطيع أن يأمر بالمعروف ولا أن ينهى عن المنكر؟ قال: ((فليعن الأخرق ))، أي: ليعن ضعيفًا ـ قلت يا نبي الله: أرأيت إن كان لا يحسن أن يصنع؟ قال: ((فليعن مظلومًا ))، قلت يا رسول الله: أرأيت إن كان ضعيفًا لا يستطيع أن يعين مظلومًا ؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((أما تريد أن تترك لصاحبك من خير؟)) أي: لا إعانة ضعيف، ولا نصرة مظلوم، ولا أمر بالمعروف، ولا نهي عن المنكر، ولا إنفاق، ولا شيء، فقال عليه الصلاة والسلام: ((ليمسك آذاه عن الناس ((، قلت يا رسول الله: أرأيت إن فعل هذا أيدخل الجنة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((ما من مؤمن يصيب خصلة من هذه الخصال إلا أخذت بيده حتى تدخله الجنة))..[ شعب الإيمان عن أبي ذر ].
والتراحم المجتمعي... طريق رصين لتحقيق الأمن والاستقرار والتعاون بحسب الجندي حيث إننا إذا نظرنا بشيء من العمق في كلام الله عز وجل، سنجد أن الله عز وجل قد وصف بقاعًا ثلاثة في القرآن الكريم بأنها أمان، أولًا: الجنة: (ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ)، ثانيا: الحرم الشريف بمكة: (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ)، ثالثا: مصر: (ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ)، والسؤال: كيف نستطيع أن نحقق الأمن والأمان وقيم الاستقرار ؟
نعود إلى آيات الجنة في قول الله تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ). قال ربنا بعدها: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِل)، وكأن الله عز وجل يعطينا حيثيات تحقيق الأمان والأمن... وهي نزع بواعث الكراهية والغل والبغض والحقد، فعلينا إذا أردنا أن نعيش الأمن والاستقرار والهدوء أن نصفي أنفسنا من تلك البواعث، ومن ثم ننطلق إلى مرحلة البناء وعدم المعوِّقات لذلك البناء، علينا أن نصفي بواعث النفس من تلك الأخلاق المذمومة فتنعكس المحبة بيننا جميعا، وعندها يحدث التعاون للبناء، متسائلًا: أليست هذه من أولويات تحقيق الأمن والاستقرار التي ينبغي تأسيس الأجيال عليها، ومن ثم التعاون للبناء الذي نرجوه جميعا، ومن ثم تقدمًا وتطورًا نواكب به الواقع المتغير في عصرنا، ونجد مكانًا لنا بين الدول المتقدمة، لا سيما ونحن أمة الإسلام (كل هذا يتحقق بالتسامح والإنسانية وإرساء القيم الإنسانية التي تنعكس على المجتمع بالرحمة والألفة والتعاون) وهو ما أكد عليه رسولنا صلى الله عليه وسلم)؟