لا تقل رواية "وديعة لينين" عن رواياته الكاتب مارك أمجد السابقة، فى صداميتها وتعريتها للأشخاص والمجتمع. تدور هذه الرواية صغيرة الحجم إذ تقع فى 176 صفحة، حول أوساط المثقفين والصحفيين، يخترق عالمها كاتب روائى سكندرى يدعى "كفافي"- هو السارد- يشق طريقه فى عالم الأدب.. يجد القارئ نفسه أمام رواية شديدة الواقعية على الرغم من إفراط كاتبها فى الرمزية.. يلجأ "مارك" لاستخدام الرموز بداية من أسماء الشخصيات فيبرر ذلك لكوننا- كبشر- من هواة فك الطلاسم والشفرات، نجد أنفسنا نبحث بين السطور عن أشياء لا وجود لها والمؤلف آخر مَن يعلم عنها شيئًا.. وإلى نص الحوار
■ شخصيات رواياتك "البطريركية" ثم "وديعة لينين" نماذج سيئة.. هل تتعمد ذلك ولماذا؟
تُذكريننى بشخصٍ هاجمنى فى إحدى الندوات قائلًا: شخصياتك الأدبية قذرة جدًا يا مارك! لكننى أجبته بأنها فى النهاية روايات وليست سير أنبياء، أعتقد أن اشمئزاز القارئ من المحتوى لا يعيب الكِتاب وإنما يُحسب له، إن شعرتِ بالقرف فهذا يعنى أن هناك شيئًا حقيقيًا تفاعلتِ معه! المُمثل السينمائى حمدى أحمد أثناء التحضير لفيلم "القاهرة ٣٠" ذهب لنجيب محفوظ وأخبره أن شخصية "محجوب عبد الدايم" سيئة لا تُطاق، ولم يكن من الأديب سوى أن أجابه بعصبية: هو كده!
لكنها دائمًا نماذج مفرطة فى قُبحها وكأنها على خلاف الطبيعى لا تحمل أى شقًا إيجابيًا!
الإيجابية والسلبية هى مفاهيم فى غاية النسبية!
■ لماذا تتعمد ألا تعطى أسماء لشخصيات الرواية؟ وإن وجدت فهى رموز لشخصيات مسيحية فى أغلبها؟
ربما لأننى أشعر وكأن الشخصية ليست مُعبِّرة عن كيان فردى، وإنما هى جسد مُشوَّه لملمتُ أشلاءه من أجساد كل مَن قابلتهم أو قرأتُ عنهم. مثلما فعل فيكتور فرانكنشتاين فى رواية مارى شيلى، لكن إن كنتِ تتحدثين عن اسم الراوى فهذا بالذات لا أميل لمنحه أى "إشارة اسمية" لأنه عادة شخص ضعيف غير ملحوظ، ذبابة تنقل لكِ أحداث الرواية لا أكثر! ماذا يضير لو أن بطل العمل ذبابة؟ أما عن سبب اختيار أسماء مسيحية فهذا لأنى اعتمد على الأساطير التوراتية والإنجيلية فى اختيار الأسماء وبالتالى الترميز لماهية الشخصيات من خلالها.
■ يشكو البعض من أن رواياتك مُغرقة فى الرمزية!
فى الحقيقة استخدم الترميز فى مواضع معينة ليس إلا، لكن لأننا كبشر نهوى فك الطلاسم والشفرات، نجد أنفسنا نبحث بين السطور عن أشياء لا وجود لها والمؤلف آخر مَن يعلم عنها شيئًا.
■ كثيرًا ما يلتبس عند القارئ إذا كان المكتوب حقيقيًا أم هو محض فانتازيا؟
تعودنا فى سماعنا للحكايات أن نصدّق كل كلمة تُقال وهذا فى حد ذاته مُضحك، لأن القصص وُجِدت لتُمتعنا لا لنعتقدها. فى آخر عملين لى اعتمدتُ فى سردى على صوت أحد الشخصيات، وفى الحقيقة هو تكتيك خبيث يقينى شر الأسئلة التى من قبيل هل هذا منطقي؟ هل يمكن أن يحدث؟ وبالمناسبة هى حيلة سينمائية شائعة يمكنك أن تجديها فى أفلام مثل Fight Club وShutter Island.
■ فى كل أعمالك نجد السينما حاضرة، لم لا تتجه لكتابة السيناريوهات؟
شاركتُ بالفعل فى كتابة حوار فيلم "شى جابي" المأخوذ عن مجموعتى "نشيد الجنرال" وهو حاليًا فى مرحلة الموسيقى التصويرية، لكن أولوية مشروعى الآن للتجربة الروائية. ثم إن السينما بالنسبة لى ليست هوسًا وإنما كالفن التشكيلى والموسيقى كلها محاولات لإيجاد أكثر من مرجع فنى، هناك فارق كبير يمكنك ملاحظته بين الكاتب المواظب على مشاهدة الأفلام والاستماع للأغانى والسيمفونيات والكاتب المُحاصَر فى دائرة النصوص.
■ وصفتك بأنك الكاتب الذى انشق عن صفوف الرجال ليكشف أسرارهم.. هل يعجبك هذا الوصف؟
لن أعارضك، لكننى لا أسعى لتكوين حزب أدبى لنُصرة النساء وهزيمة الرجال وكل هذه الترهات التى يصطاد بها الجائعون الجميلات. فى اجتماع أخير وصفنى ناشرى بأنى قاتل متسلسل، ليس لدى ضغينة ناحية أحد بعينه، وإنما فى جعبتى كراسة أحتفظ فيها بأسماء مشاريع ضحاياى القادمين. الأمر لا يتعلق إذًا بالرجال أو البطريركيين ربما ضد أى مظلة مُهيمنة فى المُطلق.
■ أعتقد أن هذا العمل هو الثانى لك الذى تتناول فيه الجنس بطريقة فيها تحقير.. لماذا؟
أنا لا أتناول الجنس، هو يتدخل ويفرض نفسه حسب موضوع العمل، وليس همى تحقير النساء أو تعظيمهن، لسنا بصدد مُدونة نسوية أو حقوقية، هذه رواية أعتبر عالمها على دونيته رومانسيًا متى قارناه بالواقع.
ذكرتَ مرة أن جدتك هى أول من دربتك على فن الحكي.
كانت جدتى قارئة نهمة، حتى حين توفيت كان هناك كتاب على فراشها عن سير القديسين. هى أول صوت روائى أنصتُ له فى طفولتى ولم أكن أنام إلا على قصة منها حتى لو تُعاد. لم تكن مؤلفة بل مهنتها الأساسية على مدى نصف قرن كانت الخياطة، ومع ذلك عرفتْ بالفطرة ضرورة التحكم فى نبرتها مع بدء وتصاعد وخفوت الحبكة. بشكل عام أؤمن أن النساء لديهن ولع أكثر بالحكايات لأنها تجعل أذهانهن نشِطة دائمًا.
■ ما هو انطباعك عن ظاهرة جروبات القراءة الفيس بوكية؟
كان انطباعى فى البداية أنها ستحرك المياه الراكدة وتنقل الجمهور من خانة "الأكثر مبيعًا" لأدب الجوائز والتجارب، لكن ما حدث أنها تحولت بدورها لمحافل منغلقة على ذاتها تنحصر طقوسها طوال الليل والنهار فى مديح كاتب بعينه، جربى مثلًا أن تدخلى وتضعى ترشيح كتاب ليحيى حقى فلن تجدى سوى متفاعلين بعدد أصابع يديك. ربما نشأت هذه الجروبات كظاهرة صحية لكن الأكيد أن مُستفيدًا خنقها.
■ هل تتفق أن استلهام الكاتب لأحداث من حياته تحتاج إلى مرور وقت أو هل ترى أن حالة الغضب قد تدفعه لكتابة رواية جيدة؟
أى حالة نفسية هى مُثير جيد لكتابة رواية أو رسم لوحة أو تأليف مقطوعة، الغضب مثلًا هو مُحرّكى الأكبر، لكنه لا يكفى لإنتاج عمل مُتكامل، لا بد من التأنى والغوص فى التنقيح والتعديل، وأحيانًا تمزيق المخطوطة برُمّتها والبدء من جديد يكون الحل الأمثل، أذكر أنى من خمس سنوات تخلّصتُ من ملف يتكون من ١٥٠ صفحة. لكننى توقفت عن هذه العادة الآن وصرتُ أحتفظ بالمسودات بعيدًا عن عينى لحين استخدامها.
■ ماذا إن لم تعد غاضبًا فى يوم من الأيام، أستتوقف عن الكتابة؟
ربما سأكتب حينها بدافع المغامرة أو اللعب.
■ بعد نشرك لكتابك الرابع، هل تعتقد أنه صار لديك أخيرًا صوتك الأدبى المميز؟
كتبَ أحد النُقَّاد عن رواياتى ذات مرة قائلًا: إنه لا يمكنك تبنى موقفٍ حيادى تجاهها، إما أن تقع فى غرامها أو تكرهها، أتفق معه وأتمنى أن تبقى هكذا للأبد.