يؤكد الحكيم ماركوس أوريليوس خلال تأملاته أن الكون سينتهي إلى الفناء والزوال، والإنسان إذا تفكر في نهايته التي ستكون ما بين العظام والرماد، وأن اسمه سيكون مجرد صدى، وأن الأخلاق تفر وتهرب، وأنه لن يبقى شيء، سوف يجد أنه لا يحتاج إلى شيء في الدنيا غير تمجيد الإله وفعل الخير والزهد لأن كل ما يقع في أيدينا ليس ملكا لنا ولا في طائلة قدرتنا.
يقول "ماركوس" خلال كتابه "التأملات" الذي يضم آراءه وفلسفته: سَرعَان ما ستصير رمادًا أو عظامًا، مجرد اسمٍ أو حتى لا اسم، والاسم ماذا يكون غير صوتٍ وصدًى؟ وكل ما نُعليه ونُغليه في الحياة هو شيءٌ فارغٌ وعَفِنٌ وتافه؛ جراءٌ يَعض بعضها بعضًا، وأطفالٌ تتشاجر.. تضحك… وما تلبث أن تبكي. أما الإخلاص والشرف والعدل والصدق فتفرُّ.
ويتابع فيلسوف العرش: إذن ماذا تبقَّى لنا هنا لِنبقَى؟ إذا كانت موضوعات الحس مُتبدِّلةً دومًا ولا تبقى على حال، وأعضاءُ الإدراك كليلةً مضللة، والنفس المسكينة ذاتها مجرد بخرةٍ من الدم، والصيت في هذا العالم شيئًا فارغًا. لماذا إذن لا ترتقب نهايتك ساكنًا مطمئنًّا فإمَّا فَناءٌ وإما تحوُّل، وإلى أن يحين ذلك فماذا يلزمنا؟ أن نُمجِّد الآلهة ونحمدها، وأن نصنع الخير للبشر، وأن نتحمَّل ونَتزهَّد، وأن نَتذكَّر أن كل ما يقع في حدود جسمنا المسكين وأنفاسنا القليلة ليس مِلكًا لنا ولا في طائلة قدرتنا.
ماركوس أريليوس، فيلسوف، وإمبراطور روماني، حكم في الفترة من 161 وحتى 180م، كان رجلا فاضلا بمعنى الكلمة، كرس حياته للأدب والفلسفة والمدرسة الرواقية، لقب بفيلسوف العرش، كتب هذه التأملات بشكل يومي باللغة اليونانية، ولم يقصد بها النشر أو مخاطبة القراء بل كان يكتبها لنفسه من باب التمرين والتدريب، تأثر بكثير من الفلاسفة السابقين مثل سقراط وهيراقليطيس.