تسببت جائحة كورونا في أسوأ أزمة مرّ بها التعليم والتعلّم في العالم خلال قرن من الزمن. وجاء قرار إنهاء العام الدراسي مبكرا في مصر أحد الحلول الآمنة التي اختارتها وزارة التربية والتعليم في ضوء تزايد مخاطر أزمة كورونا وتهديدها لملايين الطلاب في المراحل التعليمية المختلفة.
هو قرار ربما لا يحظى بإجماع وقسّم الناس إلى غاضبين حانقين، وآخرين مرحبين أشد الترحيب. لكن من الواضح أن وزير التربية والتعليم قد وضع ميزات وعيوب هذا القرار في الميزان، فتغلّبت العيوب إذا استمر التعليم.. لذلك، اختار أن تكون الأولوية للصحة والسلامة والاطمئنان على الأبناء قبل التحصيل وجودته و أهمية استمراره.
ولعلّ مناقشة هذا القرار وجدواه بعد صدوره ليست بالمسألة الهيّنة، خاصة أن الأمر يتعلّق بمصير نحو 24 مليون طالب وضعف هذا الرقم عندما نضيف عائلاتهم.. بمعنى أنه قرار يأخذ بعين الاعتبار مصلحة "شعب" بكثافة مرتفعة. لذلك، من الطبيعي ومن منطلق المسؤولية أن ينحني متّخذ القرار أمام المخاطر و ينحاز للأمان وتغليب الإجراءات الاحترازية من أجل توقي السّلامة قبل زيادة التحصيل من التعليم.
ولا أشك لحظة في أن وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقي و بالتشاور مع رئاسة الوزراء و اللجنة العليا لإدارة أزمة فيروس كورونا كانت أمامهم مؤشرات واضحة للخطر دفعتهم لاتخاذ القرار المناسب والأكثر أمانا وحفاظا على صحة الطلاب ألا وهو إنهاء العام الدراسي مبكرا. لكن هذا القرار، مثله مثل قرارات عديدة أخرى تهم فئات عريضة من المجتمع، قد يبدو فجائيا ولم تسبقه مقدمات كافية، خاصة بعد نفي خبر الإنهاء المبكر للعام الدراسي في بداية رمضان؛ لذلك يستوجب عند صدوره الآن المزيد من التواصل بشأنه لشرح دوافعه بشكل موسّع مع الأطراف المعنيّة بالعمليّة التعليميّة متمثّلة في مديري المدارس ومجالس أولياء الأمور ووسائل الإعلام و نواب غرفتي البرلمان.
ومع إدراك الظروف الصعبة التي يعمل فيها المسؤولون في ظل الجائحة وصعوبة تشكيل أي قرار وما يتطلبه من سياسات، فإن الجهد المبذول لشرحه ومكاشفة الرأي العام بما يحيط به من صعوبات وما يحمله في طياته من إيجابيات وكذلك سلبيات يظل أقل من المطلوب القيام به لتوضيح الصورة الكاملة.
ولا ننسى أن هناك فئة من المعلّمين متضرّرون من هذا القرار ومن كافة عمليات الإصلاح التي يجريها الوزير على العملية التعليمية لأنه أوقف الدروس الخصوصية التي تفوق الـ 20 مليار جنيه سنويا وتدخل جيوبهم وتدرّ دخولا كبيرة لهم. وهؤلاء هم الأكثر عداء لسياسات الوزارة وينشرون آراءهم على مواقع التواصل الاجتماعي مما يثير بلبلة و خوفا في نفوس الأهالي.
ولعلّ المتابعين بدقة لوزارة التربية و التعليم يعلمون أنها كانت تعاني منذ شهر أكتوبر الماضي -وليس الآن فقط- من أجل استكمال العام الدراسي وإنقاذه، أسوة بما تحقق العام الماضي؛ وكان هناك مرونة في تغيير القرارات وفقا لظروف الجائحة.
وأمام ارتفاع واضح في حالات الإصابة في رمضان، وقلة وعي البعض في تنفيذ الإجراءات الاحترازية، مع زيادة مخاوف العائلات على أبنائهم وقلقهم الشديد من احتمالات العدوى، فإن إنهاء العام الدراسي مبكرا مباشرة بعد استكمال امتحانات الشهر الحالي كان هو الحل الأمثل الذي يوفر الأمان والسلامة لهذه الجموع الغفيرة من الطلاّب وأهاليهم؛ والصحة وسلامة الناس هي بالتأكيد الأولوية المطلقة قبل النظر إلى أي شيء آخر حتى لو كانت مكاسب!
وتبقى الأنظار معلّقة على استكمال العام الدراسي في أمان بالنسبة لنحو 3.5 مليون طالب آخرين سيجرون امتحانات الشهادة الإعدادية والثانوية العامة وهو عدد كبير للغاية يماثل تعداد دولة صغيرة. ونتمنى أن تكون خبرة العام الماضي رصيدا جيدا لإنجاح امتحانات هذا العام.
يبقى هناك تحدّ ليس بالهيّن وهو ترسيخ فكرة التعلم المستمرّ لدى الأبناء وهي مسؤولية ملقاة على عاتق أولياء الأمور، وأمامهم فرص للاستفادة من المنصات الإليكترونية التي فتحتها الوزارة ووفرت بها مناهج ذات قيمة وجودة عاليتين؛ لكنها فرص تتفاوت نتائجها بلا شك لارتباطها بمدى وعي الأسرة وقدرتها على غرس دوافع التعلم لدى الأبناء وتحفيز الرغبة لديهم للشغف بالعلم والتعلّم. وهذه مهمة هي الأصعب!!
olfa@aucegypt.edu