الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

جولة الإنذار لإثيوبيا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حرصت مصر أن تضع الدول الأفريقية والمنظمات العالمية في حقيقة الواقع الذي تمر به قضية سد النهضة، وسط حالة من التعسف الإثيوبي، حيث تسعى تلك الدولة وبإصرار غريب على كسب الوقت لتحقيق غرض ما؛ وهو تعطيش بلدي المصب (مصر والسودان)، ووضع كلا البلدين أمام واقع يمثل خطرا على الحياة، وتصدير فكرة "الصراع الأفريقي العربي".
وفي جولة شملت ست دول "كينيا وجزر القُمُر وجنوب أفريقيا والكونغو الديمقراطية والسنغال وتونس"، قام وزير الخارجية سامح شكري، بتسليم رسائل رئاسية حول تطورات ملف سد النهضة الإثيوبي، والموقف المصري في هذا الشأن، حرصا على إطلاع دول القارة على حقيقة وضع المفاوضات بشأن الملف، هذا إلى جانب رسائل إلى مجلس الأمن ومنظمة الأمم المتحدة، ودول أخرى.
وكان من المهم خلال هذه الجولة أن تؤكد مصر على أهمية دعم مسار التوصل إلى اتفاق قانوني مُلزم حول ملء وتشغيل سد النهضة بما يراعي مصالح الدول الثلاث على أن يتم ذلك قبل الشروع في عملية الملء الثاني واتخاذ أي خطوات أحادية.
وفي اعتقادي أن أهمية هذه الجولة، وجولات ورسائل أخرى من القاهرة للعديد من دول العالم، أنها جرس إنذار لإثيوبيا لتتحمل أية عواقب محتملة تنجم عن تصرفاتها الفردية، ووضع العالم في الصورة العامة وضمن مسؤولياته، انطلاقا من التأكيد على ثوابت الموقف المصري الداعي لإطلاق عملية تفاوضية جادة وفعّالة تسفر عن التوصل إلى اتفاق واضح وملزم لكل الأطراف، ووضع حد لفشل أو إفشال المفاوضات التي تتسبب فيها أديس أبابا.
والتحرك المصري يأتي في إطار محاولة إقناع إثيوبيا بعدم تنفيذ من تنتوي عمله قبل الموعد الذي تعتزم فيه بدء الملء الثاني والذي حدده رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بحلول موسم الأمطار في يوليو المقبل، بل ربما قبل ذلك، متجاهلا مصالح مصر والسودان، من خلال قوله أن بلاده ماضية في مشروع سد النهضة "مهما كانت التحديات"، وستعمل على تحويله إلى واقع.
بينما في المقابل وإدراكا منها تؤكد مصر دائما أن الملء الثاني للسد هي أكثر نقاط الخلاف تعقيدا في المفاوضات المستمرة منذ نحو عقد من الزمان، وحسمها نقطة الانطلاق لحل عام وشامل يرضي كل الأطراف.
ولا شك أن جميع المعلومات تؤكد عدم صدق نوايا أديس أبابا فيما تقوله بضرورة الشروع في خطوة الملئ لتجنب خسارة بنحو مليار دولار، والقول بأنه لا ضرر من عملية الملء على دولتي المصب، فيما تزال مخاوف مصر والسودان من التأثيرات المحتملة لملء السد في فترة وجيزة على حصتيهما في مياه النيل الأزرق لها ما يبررها.
ولم تفقد مصر الأمل في أن تسفر الجولة الدبلوماسية الأفريقية عن نتائج إيجابية تنتهي إلى حلول سلمية، اتساقا من أن الحلول السلمية ما زالت ممكنة رغم التعنت الإثيوبي، وحتى لو تأخرت لبعض الوقت، شرط ألا تقوم أديس أبابا بأي إجراء أحادي بشأن عملية الملئ والتشغيل للسد، وحفاظا على العلاقات بين شعوب الدول الثلاث.
ومن المهم أن تدرك إثيوبيا أن مصر وحتى آخر لحظة حريصة مع السودان على تجنب أي تصعيد يؤثر في المنطقة، وهو الهدف الذي جاء من جولة وزير الخارجية الأخيرة، وجهود أخرى بعضها معلن وأخرى غير معلنة، ومن أجل إطلاع المحيطين الإقليمي والدولي على وجهة نظرها، وشرح مواقفها في العملية التفاوضية، وأسباب الوصول بالمفاوضات لحالة من الانسداد، وشرح المخاطر التي تترتب على السلوك الأحادي الإثيوبي.
والغريب في الأمر أن جميع المفاوضات، وكما قال الدكتور علاء الظواهري عضو الوفد المصري المفاوض في قضية السد، "إنه وعلى مدى عشر سنوات لم يتم التطرق إلى قضية تقسيم والحصص"، فيما تأخذ إثيوبيا المفاوضات إلى جانب آخر مستغلة أن جزءا كبيرا من القضية له طبيعة فنية، وتقوم بالترويج للكثير من الأمور غير الدقيقة والتي تصل لحالة من الكذب، مثل رفض المعاهدات الاستعمارية، والحديث عن تقاسم المياه، والمطالبة بضرورة كل دول حوض النيل بما في ذلك الحوض الجنوبي، وكلها أمور لا علاقة لها بعملية التفاوض بشأن سد النهضة.
ووفقا لقراءة مسار المفاوضات فإن إثيوبيا دائما ما تبتعد عن محددات إعلان المبادئ الذي يدور حول ملء وتشغيل سد النهضة، وتثير قضية الحصص والمعاهدات ذات العلاقة بمياه النيل في استخدام مشبوه لترسيخ ما تعتقده بأنها تمتلك النهر ولها حرية التصرف فيه، وتلك القضية وهو ما لن ولم تقبله مصر والسودان.
ولأن مصر لا تريد أن تنزلق إلى المخطط الشيطاني الإثيوبي الرامي إلى تصدير ما يمكن تسميته بـ"مواجهة أفريقية عربية" في محاولة أيضا لخلق صراعات في المنطقة تصل إلى شق وحدة القارة، تحت مفهوم "المظلومية"، وكل هذا تدركه مصر، وتحرص وحرصت في جولة وزير الخارجية سامح شكري توضيح ذلك بشفافية، ووضع النقاط على الحروف، ولمنع نشوب صراع – تصنعه أديس أبابا- لا يعرف مداه أحد.
ولا نستطيع إلا أن نردد: "كفى لعبًا بالنار"، فأديس أبابا تمارس لعبة كسب الوقت للبدء في المرحلة الثانية من ملء سد النهضة دون التوصل إلى اتفاقٍ ثلاثي.
ولا يبقى إلا أن تدرك إثيوبيا أهداف جولة الإنذار التي قام بها سامح شكري وزير الخارجية.