الدراما الرمضانية هذا العام دخلت على خط النار، لتوجه ضربات موجعة للإرهاب بلغة الفن الناعمة التي تؤثر في العقول وتسكن القلوب، وذلك من خلال ثلاث مسلسلات تلعب دورا كبيرا وعميقا في تعزيز الانتماء للوطن، وكشف الأفكار الهدّامة للجماعات الإرهابية التي تقتات على تقسيم الوطن وبث الفتنة الطائفية وتخريب عقول الشباب. تلك الضربات التي تماثل أو تفوق قوة السلاح وجهتها بعناية مسلسلات "الاختيار 2" ويدور حول عمليات الشرطة والجيش ضد الإرهاب وتنظيماته ، و"هجمة مرتدة" ويتناول أحد ملفات المخابرات المصرية، و"القاهرة كابول" ويدور حول المؤامرات التي تحاك ضد المنطقة العربية.
أهمية تلك الأعمال الدرامية تكمن في قدرتها على كتابة التاريخ بطريقة أخرى غير طريقة التوثيق المكتوب الذي تعودنا عليه، وميزتها في كونها سهلة الوصول إلى الجمهور، باعتبار أن الكثيرين عازفون عن القراءة حاليا، ويذهبون لمشاهدة العمل الدرامي من خلال وسائط العرض الذي تعددت بعد الانتشار الكبير للفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي.
وتلعب الدراما دورا مهما في إعادة التوازن والتفكير لدى من تعرضوا لعمليات غسيل المخ، ليس فقط في الداخل المصري وإنما في الخارج أيضا سواء الدول العربية أو الأجنبية، وقد لعبت الترجمة الإنجليزية دورا مهما في إيصال رسالة مسلسل "الاختيار2" إلى الخارج لكشف الوجه الحقيقي القبيح لجماعة الإخوان.
وكانت الحلقة الخامسة بالتحديد من هذا المسلسل بمثابة توثيق حي لما جرى في 14 أغسطس عام 2013 ؛ وخيرا فعلوا صناع المسلسل بتضمينهم بعض اللقطات الحية التي جرى تصويرها بأيدي مَن كانوا داخل الاعتصام نفسه. وشاهدنا الانتقام الدموي للجماعة الإرهابية بضرب الكنائس وإشعال النار في أقسام الشرطة في محاولة لجر البلاد إلى حرب أهلية. وقد حفّز مسلسل الاختيار 2 العديد من الصحفيين لاسترجاع تلك الذكريات المؤلمة وكتابة شهاداتهم حول فض اعتصام "رابعة العدوية" واقتحام أقسام الشرطة والكنائس خلال هذه الفترة، ونشروا صورا تُظهِر عناصر من جماعة الإخوان وهم يحملون أسلحة داخل الاعتصام، وقد كنت بدوري شاهدة عيان على تلك الأحداث ورأيت مسلحين في رابعة احتلوا أسطح العمارات وكانوا يقتلون ويروعون ويخربون، ولم يكن تصدي الشرطة للقناصين مجرد فض اعتصام ولكنه تحول إلى حرب طاحنة بكل ما تعنيه الكلمة، حيث استخدم الإرهابيون زجاجات المولوتوف وسلاح آر بي جي ورموا أنابيب الغاز من أعلى العمارات لتنفجر في قوات الشرطة وتحرق السيارات وتهدم المنشآت.
وسادت حالة من الغضب العارم بين المشاهدين عند عرض مشهد "الإرهابية سامية شنن" التي شاركت في مذبحة كرداسة وصوّرها المسلسل وهي تقدِّم مادة كاوية (ماء النار) إلى أحد ضباط قسم كرداسة وهو يحتضر! ربما لم تتح من قبل الفرصة للكثيرين للاطلاع على هذه الواقعة الحقيقية - الموثقة بفيديو من الموبايل- وغيرها من الوقائع خلال احتجاز وتعذيب مأمور وضباط وأفراد قسم شرطة كرداسة بعد اقتحام القسم من قبل عناصر جماعة الإخوان الإرهابية، وقد قبضت أجهزة الأمن على سامية شنن في سبتمبر 2013، وأصدرت محكمة جنايات القاهرة في فبراير 2015 حكماً بمعاقبتها بالإعدام شنقاً مع نحو 182 آخرين متهمين في اقتحام القسم، لكنها أفلتت من حكم الإعدام بعد أن قبلت محكمة النقض الطعن المقدم وقضت بإعادة محاكمتها ليتم تخفيف الحكم إلى المؤبد.. ولا تعليق على حكم القضاء.
الدراما هي إحدى وسائل مقاومة الإرهاب غير التقليدية وتسهم في توعية الناس بخطورة انتشاره وفضح أفكاره؛ وهكذا هي مهمة الفنون عموما أن تنتصر لقيم المجتمع ومبادئه وأن تنشر الجمال على القبح، من خلال توثيق البطولات وإبراز التضحيات التي بفضلها ينعم الناس بالحياة الآمنة، فمقاومة الإرهاب والتطرف جمال، ونشر القيم الوطنية جمال، وتمجيد بطولات من دافعوا عن الوطن واستشهدوا في سبيله وكانوا مثالا للعزة والكرامة والفخر هو عين الجمال.
إذن لننتصر للدراما والفنون في شتى أشكالها في توثيقها لمهمة محاربة الإرهاب ونشر الجمال والثقافة بشكل أوسع للتصدي للقبح والجهل وتخريب العقول بكل أشكاله حتى تكون خطًا للدفاع عن هوية الوطن وتوعية الشباب والكبار معًا.. فهل من مزيد؟!
olfa@aucegypt.edu