ها نحن قد انتهينا من تعليق زينة رمضان، بعدما صلينا التراويح، الساعة تشير إلى الواحدة صباحا، كنا عشرين طفلا من شارع واحد، شكلنا ٥ فرق وبدأنا الدورة الرمضانية، كل يوم «ماتشات» حتى الثالثة صباحا، صلينا الفجر وعدنا لديارنا لننام، لنستيقظ على صلاة الظهر، نصلى وننام ونستيقظ العصر نقرأ قرآن ثم نتريض بين الحقول حتى قرآن المغرب، كانت الفترة التى نشاهد فيها التليفزيون فقط قبل آذان المغرب بربع ساعة وبين المغرب والعشاء.
هذا الجدول اليومى سرنا عليه لسنوات، حتى شعرنا أنه اختفى فجأة أو أننا كبرنا فجأة، بدأت فرق الدورة الرمضانية تقل، أصبحنا عشرة أطفال ثم خمسة، تاهت مننا الحكايات وتهنا عن طريق العودة للديار، خطفنا الوقت وفجأة كبرنا ونحن لم نكن على استعداد لذلك، اعتزل بعضنا اللعب واختار بعضنا الرحيل واختفت من قريتنا الحقول فانتهى عصر التريض، غاب عنا لسنين رمضان الذى كنا نعرفه ويعرفنا، غير أننا ولأول مرة شُعرنا به هذا العام ربما محنة كورونا جعلت هناك تعطشا لدينا للفرح وحنينا للأصدقاء والأحباء والأهل، ربما بعد كل هذا الركض في الحياة وقفنا نلتقط أنفاسنا فعادت بنا الذاكرة إلى هناك حيث تركنا قلوبنا ومضينا نلهث وراء الحياة.. ربما رغم كل هذا العناء لم تستطع رياح الزمان العاتية أن تطفئ في قلوبنا شمعة ذاك الفانوس السحرى الذى كان يمدنا بالأمل.. ربما تكون هناك أشياء كثيرة دفعتنا لأن نعود هذا العام ونعيد تشكيل الفرق.. يعود ما تبقى من العشرين طفلا وإن كانوا فرقتين فقط، إلا أننا استطعنا أن نمد أفرع الزينة في شارعنا وأن نضئ الفوانيس في ديارنا وأن نجلس نتسامر مع الأهل والأحباب وأن نرتدى ثيابنا التى تركناها معلقة منذ سنوات خلف الأبواب.
فرحنا بشدة لأننا أدركنا أن الفرح وإن أتى إلا أنه حتما لن يقيم طويلا وسيرحل فأردنا أن نحظى منه على أكبر ما نستطيع، عبأنا منه قلوبنا وقلوب الصغار وادخرنا منه قليلا في خزانة الذاكرة لنُخرجه إن غادرنا الدار وعدنا إلى ذلك الدوار حول الحياة.
«إنت يا أخينا اصحى إنت نازل المحطة دي؟ أنا: هو إحنا في محطة إيه دلوقتى لو سمحت! في محطة الأربعين يا أستاذ.. يااااه كل ده عدا وأنا نايم.. أنا قربت أوصل خلاص.. طب جهز حالك وشوف شنطتك».