الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الصين تكسب حروبها بدون طلقة رصاص

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كل شيء صار صينيًا.. سجادة الصلاة والمسبحة ولعبة الأطفال والخلاط ومشغلي الأقراص والكمبيوتر والسيارة والمحمول.. إنهم في كل مكان وتحت كل حجر.. حتى صناعة السينما الصينية أصبحت تهدد عرش هوليوود وتصبح ثانى أكبر سوق للأفلام في العالم حتى أن الاقتصاد الصيني هو الوحيد الذي لم ينكمش العام الماضي في ظل جائحة كورونا التي ضربت كل العالم وفي العام 2030 سيصل الناتج القومي الإجمالي إلى 38 تريليون مقابل 23.5 للولايات المتحدة، وهو ما يعني تزايد البحث الصيني عن مزيد من الأسواق التي سيكون الشرق الأوسط إحداها وكان الاتفاق الصيني الايراني ضمن هذه الرؤية، الا أنه من الضروري الإشارة إلى أن هذا الاتفاق، يتعلق بالمشروع المركزي للصين والمعروف بطريق الحرير، والذي ورد ذكره عديد المرات. كما أن هذا الاتفاق، وبغض النظر عن الاختراق الذي سيحققه للصين على المستوى الاقتصادي والسيبيري والسياسي، سيزيد من فرص توغل الصين في منطقة الشرق الأوسط وتحقيقها لحلمها بتشييد طريق الحرير، وتربعها على قمة النظام العالمي.
ويدفع التقدم المضطرد في وزن ودور الصين الولايات المتحدة إلى شن حرب اقتصادية، يحذر البعض من أن تتحول إلى حرب عالمية ثالثة، إذا لم توافق الصين على الجلوس معًا لإعادة إنتاج نظام القطبين المسيطرين على العالم في مرحلة الحرب الباردة، ولكن هذه المرة أمريكا والصين بدلًا من الاتحاد السوفييتي، غير أن الصين ترفض ذلك، لأنها لا تريد استعمار العالم، ولا التحكم فيه، وإنما التعاون المثمر مع مختلف الأطراف خصوصًا أن الصين ليس وراءها ماضٍ استعماري، فلم تحتل طوال تاريخها أي دولة، ولا تحركها طموحات استعمارية مستقبلية، بل تعارض الهيمنة الأمريكية على العالم، وتهدف إلى إرساء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب مبني على الحوار والتعايش والتعاون والعمل المشترك ولكن الكثيرين لايصدقون تلك الدعايات الصينية بمنطق أنه كلما تضخمت القوة الاقتصادية الصينية زاد شعورها بأن حدودها القديمة لم تعد تتسع لحجمها الدولي المتعاظم يومًا بعد يوم، وزادت شهيتها للتوسع جغرافيًا، ولكن بطريقتها الخاصة، المستقاة من التعاليم القديمة لـ«كونفوشيوس» و«صن تزو»، التي تشدد على ضرورة كسب الحرب من دون خوضها، وهو ما تطبقه السياسة الخارجية الصينية اليوم حرفيًا. وتتبنى الصين الحديثة نظرية استعادة حدود الصين التاريخية، والتي تعني استرداد أي شبر سبق وأن حكمته بلادهم قبل تعرضها للغزوات الاستعمارية في القرن قبل الماضي وطبقًا لنظرية راتزل، التي تنظر إلى الدولة ككائن عضوي يكبر وتزداد احتياجاته باستمرار، وأن الحدود هي أشبه بجلد الكائن العضوي، والذي يجب أن يتمدد باستمرار مع نموه، فإن الحدود الصينية قد تتمدد في الاتجاهات الأربع خلال السنوات القادمة، فعندما تتغير موازين القوى يبدأ الناس في إعادة رسم الحدود، والتي لا تشمل الحدود الفعلية فقط، بل أيضًا حدود مناطق النفوذ أو ما يسمى في علم الجغرافيا السياسية بـ«الحدود الشفافة»؛ إذ من المتوقع أن يشهد القرن الحالي صعود العملاق الصيني الذي لم يعد يقنع بنفوذه الاقتصادي فقط، وإنما تزداد تطلعاته باستمرار للمزيد من النفوذ السياسي بما يتوازى مع تلك المكانة المتعاظمة حول العالم. وما ميز السياسة الصينية أنها تعمل بهدوء منقطع النظير، وتعمل بصمت وفقًا للحكمة الصينية التي تقول "النهر العظيم يجري بصمت والحكيم لا يرفع صوته". كما يميزها أنها ابتعدت عن الأيديولوجيا كثيرًا واعتمدت البراجماتية والمهنية والانفتاح على الجميع على قاعدة الشعار الذي أطلقه الرئيس الصيني دينغ شياو بينغ، في مؤتمر الحزب الشيوعي في العام 1978 "ليس مهما أن يكون القط أسود أو أبيض طالما أنه يصطاد الفئران".