الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

صلاحيات الرئيس التونسي في الميزان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ليس مستغربا أن يشن الإخوان هجوما واسعا على زيارة الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى مصر حيث يكنّون عداوة تاريخية لرئيسها عبد الفتاح السيسي الذي أجهض بتحركه في 2013 خطة "الجماعة" الأمّ في مصر من السيطرة على أكبر بلد عربي، والذي كان في مشروع الإخوان سيشكل قاعدة انطلاق للسيطرة على بقية الدول العربية.
والحقيقة أن الصراع الذي يخوضه قيس سعيّد داخلياً مع الإخوان أيضا لم يكن بعيداً عن الزيارة التي يؤديها إلى مصر، حيث أجمع المراقبون أن هذه الزيارة في هذا التوقيت تحمل دلالات مهمة، أولها السير في اتجاه معاكس للنهضة، وتفعيل صلاحيّات الرئيس التونسي وفقا للدستور والتي تحاول حركة النهضة التأثير عليها ومصادرتها لصالح أهداف تخدم التنظيم الدولي للإخوان. كما أن التقارب مع النظام السياسي في مصر يعني الموافقة والتبنّي لخطه في التعامل الحازم والقاطع ضد الإخوان.
وقد ظهرت مؤشرات تصاعد الخلاف بين الرئيس سعيّد والنهضة عند رفضه قبل أسبوع المصادقة على قانون المحكمة الدستورية، بعد أيام من تعديلات أجرتها الأغلبية البرلمانية بقيادة النهضة. كما أكد الرئيس التونسي خلال الاحتفال بعيد الشهداء -وقبل توجهه مباشرة إلى القاهرة- عن حاجة تونس إلى "برلمان وطني محترم ووزارة مسؤولة" في اتهام واضح موجه إلى رئيس البرلمان ومرشد النهضة راشد الغنوشي ورئيس الوزراء هشام المشيشي.
وبالنظر إلى الأجواء الإقليمية شديدة التوتر، فإن زيارة الرئيس التونسي للقاهرة تكتسي أهمية كبيرة حيث بدأت مصر جولة جديدة من التحركات الدبلوماسية لدعم موقفها في ملف سد النهضة الذي أعلنت فشل فرصته الأخيرة من المفاوضات مع الجانب الإثيوبي بسبب تعنت الأخير وإهداره فرصة أخيرة للتوصل لاتفاق حول قواعد الملء الثاني للسد والذي ترى كل من مصر والسودان خطورة اختصار الزمن خلال هذه العملية على أمنهما المائي ويطالبان بالحفاظ على مصالحهما كدول متشاركة في موارد نهر النيل. وتسعى مصر حاليا للتنسيق مع تونس في هذا الملف لحشد التأييد الدولي خاصة وأنها تستطيع أن تدعم الموقف المصري من خلال عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن. 
وقد شدد الرئيس قيس سعيد -خلال لقاء نظمه السفير التونسي محمد بن يوسف في مقر إقامته وكان لي شرف حضوره- على فكرة التنسيق والتعاون بين البلدين، مفضّلا عدم استخدام عبارة "تضامن" لأن المقصود أعمق من ذلك بكثير.
من جانب ثان، احتل الملف الليبي صدارة المباحثات بين الرئيسين حيث يشترك البلدان في الجهود المبذولة لإيجاد تسوية سلمية للصراع الدائر هناك باعتبارهما دولتي جوار مع ليبيا، ويدعمان الحكومة الليبية الجديدة لتقود التحضيرات لعقد الانتخابات نهاية العام الجاري مع رفض التدخلات الأجنبية وما تضمره من سيطرة على ثروات ليبيا النفطية وتحمية وطيس الحرب داخلها. ولعل تحقيق الاستقرار في ليبيا يشكل رافعة تنموية واقتصادية للقاهرة وتونس على حد السواء كما أنه يعجّل بوقف عمليات التسلل عبر الحدود للعناصر الإرهابية والداعشية التي تستخدم مناطق في ليبيا لتدريب مقاتليها استعدادا لتنفيذ مخططات إرهابية، خاصة بعد أن دفعت تركيا بالمئات من هؤلاء نحو ساحة الحرب الليبية منذ أشهر وسعت إلى استخدام ورقة المرتزقة المقاتلين في سوريا للضغط والابتزاز السياسي!
وقد عانت كل من مصر وتونس خلال السنوات الماضية من التفجيرات الإرهابيّة التي راح ضحيّتها العشرات من المدنيين والأمنيّين، قبل أن تنجح الضربات الاستباقية مؤخرا في تفكيك العديد من التنظيمات. لكن القضاء بشكل جذري على الجماعات الإرهابية لا يمكن أن تنهض به دولة لوحدها بل يحتاج إلى مجهود متكامل يعتمد على التنسيق الأمني والاستخباراتي، والأهم توفّر الإرادة السياسية الحقيقية للقضاء عليه. لكن الإرادة السياسية في تونس يتنازعها طرفان الرئاسة من جهة والبرلمان من جهة أخرى. وإذا كان الرئيس سعيّد مصمما على اقتلاع التنظيمات الإرهابية فإن النهضة بقيادة الغنوشي متورطة في عمليات اغتيال سياسي ونقل مرتزقة كانوا في سوريا.. وسبق أن قدّم 43 نائبا في البرلمان دعوى قضائية ضد النهضة الإخوانية لامتلاكها جهازا سريا متورط في هذه العمليات.
وقد بدا الرئيس قيس سعيّد خلال كلمته التي ألقاها على ضيوف السفير التونسي في نهاية مباحثاته مع القيادة المصرية مشحونا بالحماس والإصرار على المضي قدما في حسم الصراعات الداخلية المتأججة بقيادة حزب النهضة والتي من المنتظر أن تتصاعد وتيرتها عند عودته غدا إلى تونس بعد زيارته إلى مصر. فهل تصمد تلك الحماسة وذلك التصميم في وجه الضغوط الإخوانية وهل ينتصر الرئيس التونسي لصلاحياته التي يكفلها له الدستور ويضع حدّا للنهضة التي تحاول أن تختطفها و "تغتصبها"؟ هذا ما ستكشف عنه حلقات الصراع خلال الأيام المقبلة.
olfa@aucegypt.edu