رحلت عن عالمنا الأستاذة الدكتورة فرحة الشناوي يوم الإثنين الموافق ٢٩ مارس ٢٠٢١، بعد تاريخ حافل من الإنجازات علي العديد من الأصعدة العلمية والإدارية والاجتماعية والثقافية والسياسية.
الاستاذة الدكتورة فرحة الشناوي كان لها نشاط علمي وبحثي فعال ومؤثر في مجال الطب المعملي والمناعة، ونشاط تثقيفي في نشر الثقافة العلمية والثقافة الفرانكوفونية. ونشاط إجتماعي في عضوية المجلس القومي للمرأة، وفي تطوير المجتمع المدني من خلال تأسيس مجموعة تطوير محافظة الدقهلية.
تقلدت ا. د فرحة الشناوي العديد من الوظائف الادارية، وحصلت كذلك علي التكريم من رؤساء مصر وفرنسا. وكانت أول سيدة تتولى عمادة كلية الطب في المنصورة، وأسست وهي عميدة برنامج المنصورة مانشستر للتعليم الطبي، كأول برنامج متميز مع جامعة مانشستر الإنجليزية والذي حقق نجاحا مبهرا وأحدث نقلة نوعية في التعليم الطبي. ثم تولت منصب نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث، وأقامت شراكات متعددة خاصة مع الجانب الفرنسي، في الابحاث الطبية استمرت لأكثر من عشرين سنة. وبعد بلوغها سن التقاعد، أسست مركز جامعة المنصورة لأبحاث الخلايا الجذعية والطب التجددي. كما ساهمت في إنشاء برنامج زراعة الكلي في مركز أمراض الكلي والمسالك البولية، وكذلك برنامج زراعة الكبد من الأحياء في مركز جراحة الجهاز الهضمي، بالتعاون مع الجانب الفرنسي، وبرامج زرع الخلايا الجذعية من النخاع العظمي في مستشفى الأطفال ومركز الأورام بجامعة المنصورة. وفي مجال الثقافة أسست المركز الثقافي الفرنسي لتعليم اللغة الفرنسية، والمدرسة الفرنسية بالمنصورة. كما كان لها رحمها الله نشاطًا متميزًا في خدمة المجتمع والحفاظ علي نظافة البيئة، كما كانت مدافعة قوية عن حقوق المرأة والدفاع عن مصالحها وحقها في التعليم من خلال عضوية المجلس القومي للمرأة، وترأسها لأمانة مجلس المرأة بالدقهلية. وسياسيًا، كانت د فرحة الشناوي داعماً للدولة المصرية وجيشها، ومثلت مصر في العديد من المؤتمرات والندوات الخارجية، وأخيرا تم تعيينها عضواً بمجلس النواب المصري بقرار من الرئيس عبد الفتاح السيسي في يناير ٢٠٢١.
وعلي المستوى الشخصي، كان لي شرف التعرف علي د فرحة الشناوي منذ أن كنت طالبًا بطب المنصورة في مطلع ثمانينيات القرن الماضي. وأتذكر نشاطها في المؤتمرات العلمية التي استضافتها جامعة المنصورة، وتحدثها باللغة الفرنسية مع الضيوف من الدول الفرانكوفونية، ثم إعادة الحديث مرة اخري باللغة الانجليزية واللغة العربية لباقي الحضور. وتوطدت علاقتي مع د فرحة الشناوي بعد عودتي من البعثة الخارجية في إنجلترا سنة ٢٠٠٣، حيث دعتني للمشاركة في مؤتمر الكلية بعد أيام من عودتي إلي طب المنصورة. ومنذ ذلك اليوم كان لي شرف التعامل مع د فرحة بصورة شبه يومية، واختارتني منسقًا لكلية الطب لدى مركز تطوير الأداء الجامعي، وأضافتني الي لجان مجلس الكلية عندما كانت تشغل وظيفة وكيل كلية الطب. وفي سنة ٢٠٠٥، وتحديدًا يوم ٢٥ سبتمبر، وجدتها تتصل بي عدة مرات أثناء مشاركتي في المؤتمر العالمي للكلية الملكية لأطباء النساء والتوليد، وأخبرتني أنها كلفتني بالتفاوض مع الجامعات البريطانية لإنشاء برنامج تعليمي طبي في جامعة المنصورة بنفس المناهج الدراسية وطرق التدريس والامتحانات التي تتبعها الجامعات البريطانية. ولحسن الحظ أو لمشيئة القدر كان هناك من المشاركين في المؤتمر أساتذة إنجليز عَمِلتُ معهم في جامعات مانشستر وجلاسجو وداندي. وكانت فرصة للتحدث معهم عن إنشاء توأمة بين جامعتهم وجامعة المنصورة، وكانت المفاجأة انهم وافقوا من حيث المبدأ واتفقنا علي مواصلة الحوار والتواصل بعد العودة إلى إنجلترا. وفي يوم الاحد التالي للمؤتمر، ذهبت مع د فرحة ود محمد عمارة (رئيس جامعة المنصوره الأسبق) ودكتور سيد عبد الخالق، وزير التعليم العالي الأسبق (وكان وقتها يشغل وظيفة وكيل كلية الحقوق)، ود سامح شمعة (وكيل كلية الطب وقتها) لمقابلة رئيس الجامعة، وقمنا بكتابة وإرسال الخطابات من مكتب رئيس جامعة المنصورة الي الأساتذة الذين قابلتهم في المؤتمر. ، وبعد أيام قليلة، جاءت الموافقات الرسمية من الجامعات الثلاثة للتعاقد مع جامعة المنصورة. وخلال أيام قليلة تحدثت أنا ود فرحة مع عميد كلية طب مانشستر ( Professor Andy Garner )
تليفونيا من مكتبها في طب المنصورة، واتفقنا علي أن يقوم بزيارة المنصورة، وفعلا قام بزيارة المنصورة يوم ٣ مارس ٢٠٠٦. ومنذ ذلك اليوم، انتقل عملي من مدرس بقسم النساء والتوليد، إلى مدير لبرنامج المنصورة مانشستر للتعليم الطبي بكلية الطب. ومنذ ذلك اليوم من مارس سنة ٢٠٠٦، وحتي مرضها الاخير في مارس ٢٠٢١، لم تنقطع علاقتي بالدكتورة فرحة الشناوي. علاقة تعرضنا فيها سويًا لهجوم ضار ونقد لاذع من أعضاء هيئة التدريس في كلية الطب، ومن نقابة الأطباء، ومن بعض الطلاب وأولياء أمورهم بسبب برنامج المنصورة مانشستر. وحققنا نحاحات وإشادة من بلدان كثيرة، وقابلنا سوياً معظم وزراء التعليم العالي، منذ الوزير د هاني هلال، ومعظم وفود وسفراء الدول الأجنبية والعربية الذين زاروا جامعة المنصورة خلال هذه الفترة.
وأخيراً رحلت أستاذتنا الفاضلة عن عالمنا يوم الإثنين الموافق ٢٩ مارس بعد رحلة حافلة بالإنجازات. رحلت وتركت لنا عظيم الأثر في فن المعاملة الحسنة وكريم الأخلاق والذوق والأدب والاحترام. رحم الله أستاذتنا الفاضلة ا د فرحة الشناوي وأسكنها فسيح جناته، قدر إخلاصها لهذا الوطن، وعظيم أعمالها علي مدار عمرها، وعلى الصفات العظيمة والقدوة الحسنة التي غرستها في كل من تعامل معها.