الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إحياء منهج مدرسة اللا ترادف في التعامل مع العربية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
* اعتمد المفكر السورى الراحل الكبير الدكتور محمد شحرور فى مشروعه للقراءة المعاصرة للمصحف، والذى امتد لقرابة خمسين عاما كاملة من البحث والتدبر (2019/1970) والتى نتج عنها 12 كتابا مهما بخلاف مصطلحات التنزيل الحكيم والذى ضع الراحل لبنته الأولى.
* تعامل المفكر الراحل مع العربية معتمدا على منهج رواد مدرسة اللا ترادف التاريخية والتى تأسست تاريخيا فى العراق على يد (ثعلب الكوفى) وتبنى منهجهم ويعتبر هو من أحياها من جديد وأعادها للحياة مرة، أخرى حيث اعتمد فى بحثه على المصادر الآتية:
* ثعلب الكوفى: إمام النحاة فى عصره (291/200ه) والذي وضع أساس مدرسة (اللا ترادف) فى التعامل مع العربية، وهو صاحب العبارة الشهيرة: (ما يظن فى الدراسة اللغوية من المترادفات هو من المتباينات)؛ أى ما تظنه متشابهًا هو من المختلف، فجاء لا تعنى أتى، ولكل منها مجالها ودلالاتها، والنبأ غير الخبر، والعمل غير الفعل، والفقراء ليسوا هم المساكين، والروح ليست هى النفس، والقلب ليس هو الفؤاد و....
* مدرسة أبي على الفارسي تلميذ ثعلب النحوي (377/288ه) هى المدرسة التى بلورها تلاميذ أبي على الفارسى (ابن جني) (392/322ه) فى النحو في كتابه (الخصائص) والذى عايش ورافق أستاذه أبي علي الفارسى و(عبد القاهر الجرجانى) (471/400ه) فى البلاغة في كتابه (دلائل الإعجاز).
*بالاضافة إلى معجم ابن فارس (395/329ه) تلميذ ثعلب الكوفى الذى وضع (معجم مقاييس اللغة) الذى ضم أهم خمس كتب فى زمانه منهم كتاب( العين) للخليل بن أحمد الفراهيدى الذى شكَّل المصحف الذى بين أيدينا وهو عمانى الأصل ورواد مدرسة اللاترادف من العراق وفارس، أما ابن جني فيونانى الأصل ولد بالعراق.
* القواعد والأسس المنهجية لمدرسه "اللا ترادف" في التعامل مع اللغة العربية
• بدأت مدرسة "اللا ترادف" في التعامل مع اللغة العربية في القرن الثالث الهجري، ومهد لها ابن جنى بأن اللغة لم تنشأ مرة واحدة وإنما نشأت فى أوقات متلاحقة وارتباطها بحس المتكلم وقدرته.
١- القاعدة الأولى: والتي عبر عنها عبد القاهر الجرجاني بقوله: "عندما يخاطب المتكلم السامع لا يقصد إفهامه معاني الكلمات المفردة وإنما هو النظم والسياق هو ما يحدد المعنى".
وبالتالي لا يمكن إهمال السياق في فهم المعني أبدًا، فالمفردة الواحدة قد تحمل أكثر من معنى، والسياق وحده الذي جاءت فيه هو ما يحدد معناها.
•فعندما يقول المتكلم:  (قطعت الشرطة الطريق) فهو لا يقصد إفهام المستمع معنى كل لفظ من الألفاظ الثلاثة على حدة (قطع)، (الشرطة)، (الطريق)، إنما يقصد أن يخبره بخبر (منع السير).
• إذن هو النظم والسياق الذي يظهر المعنى المراد، وعندما يقول تعالى: (تقطعوا أرحامكم)، فلا يكون مقصودًا ساعتها معنى كل لفظ على حدة (قطع) أو (رحم)، فإن النظم والسياق معناه (هجر الأقارب وعدم برهم).
٢- القاعدة الثانية من قواعد مدرسة اللا ترادف، أن اللغة مرتبطة بالتفكير الإنساني ومن هنا تمت صياغة القاعدة الأكثر أهمية أنه "لا يمكن أن يفهم نصا لغويا إلا على نحو يقتضيه العقل". 
•وبالتالي فإن المعاني اللغوية لا يمكن أن تكون بمعزل عن المنطق والعقل، فلايجوز وأنت تقرأ القرآن الكريم مثلاً أن تتعامل دائما ًمع لفظه (نساء) كلما صادفتك على أنها (جمع امرأة)، أو تتعامل مع لفظة (رجال) كلما قابلتها وظهرت أمامك على أنها (جمع ذكور بالغِين).
• لابد ان يكون التفسير والمعنى منطقيا يقبله العقل، فلا يجوز أبدًا أن نعتبر أن كلمة (نساء) في الآية (جمع امرأة)،  هذا غير منطقي وغير عقلي وغير مقبول وغير مفهوم وغير متسق؛ أي مجرد عبث قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ (النِّسَاءِ) وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران: 14].
فالآية تقول: زين (للناس) كل الناس والناس فيهم نساء,
• ولا يجوز أبدًا أن نعتبر أن كلمة "رجال" تعني جمع ذكور بالغين في هذه الآية: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}. [الحج: 27].
٣- القاعدة الثالثة من قواعد مدرسة اللا ترادف أن أي زيادة في اللفظ تتبعها زيادة في المعنى؛  فلا يوجد في النص القرآني أي إطناب أو حشو أو تكرار، وبناءً على هذه القواعد فعندما يقول تعالى: {أَبْنَائِكُمُ (الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ)} ، ولأن المبنى قد زاد (الذين من أصلابكم) فإن المعنى بالتبعية قد زاد أيضًا، وفهمنا أن هناك أبناءً لنا ليسوا من أصلابنا (أي بالتبني).