قلوب المصريين التي انقبضت عندما أغلقت السفينة مجرى قناة السويس هي ذاتها القلوب التي نجحت في تعويم السفينة الجانحة.
100 مليون مصري هم كلمة السر ومفتاح الفرج وشلال العرق القادر على الانتقال بنا من حال إلى حال.. نجحت السواعد المصرية والعقول اللامعة في فك أسر التجارة العالمية بعد حبسها ستة أيام في حدث نادر وفريد من نوعه.من حقنا الآن أن نفتخر ونفرح بإنجاز ما كان له أن يتحقق لولا جينات الموهبة المصرية التي استطاعت في بدء الخليقة ترويض النيل وهندسة الفراغ وابتكار الموسيقى والرقص والزراعة.
هذه هي بلادنا وهذا هو شعبها.. أكثر من مائة مليون قلب عاشق للحياة والإنسانية.. ملحمة تعويم السفينة لم ينل منها إلا خيبة الفضائيات المصرية التي غابت عن الحدث لتكتب شهادة وفاتها وتعلن عن خيبتها وعجزها.
كان من المؤسف أن يتابع العالم كله أحداث غلق قناة السويس من خلال كاميرات هواتف متطوعين.. من المؤسف أن نفشل في تسويق ملحمة العزيمة والإصرار لنخسر معا رصد وتوثيق بطولة كبرى تم تحقيقها بيد مهندسين وخبراء وأسطوات وصنايعية وعمال ربطوا الليل بالنهار ليحرروا سفينة هزت أركان الدنيا الأربعة.
المتابع يرصد بوضوح سهر المصريين أمام الشاشات باحثين عن خبر يرد إليهم قناتهم المحبوسة.. دعاء الناس في الطرقات.. الحوار الذي لم ينقطع طوال الأزمة.. هذا الاهتمام يؤكد أن مصر كبيرة وقادرة وأن شعبها في لحظة تماس الأزمة مع مستقبل الوطن ينتفضون ليكشفوا للعالم عن أجمل ما فيهم والأجمل الذي رأيته هي تلك القلوب في طول البلاد وعرضها.. الأجمل هو الإصرار والعزيمة الفولاذية.. نعم مازلنا قادرين على إثارة للدهشة وضرب الأمثلة في التحقق والنجاح.
قناة السويس ليست مجرد ممر مائي ولكنها روح نعيش بها ولها. قناة السويس التي تأسست بأجساد أجدادنا وتم تأميمها في مشهد تاريخي.. وتم إعادتها للملاحة بدماء شبابها.. كل هذه الأسباب تدفعنا وليس من باب العشم ولكن من كل بوابات الحق أن نقول الآن إن على إدارة هيئة قناة السويس واجب اجتماعي وأخلاقي ولابد من تأدية هذا الواجب.. ليعرف أصحاب القناة الحقيقيون وهم بالإجمال شعب مصر العظيم أن قناتهم وإداراتها تبادلهم الود بالود.. وهنا أتكلم عن الدور الاجتماعي المنتظر من الهيئة لخدمة المجتمعات المحلية.. في فمي الكثير ولكن لا يجب أن تفسد فرحتنا.. لكن يجب أيضا أن نتعلم الدرس، ولا شك أن مجلس إدارة هيئة قناة السويس يعرف ما هو المطلوب منه تجاه المجتمعات المحلية في مصر المحروسة، وقبل كل شيء يجب أن تنتهي الآن وإلى الأبد فكرة مجتمع هيئة القناة المغلق على نفسه.
لنفرح معا.. وننتصر معا رغم أنف السفينة الجانحة.. ورغم أنف من تلاسنوا علينا وقت الأزمة.. هذه هي مصر التي نريدها.