راجت في الساعات الأخيرة أقاويل ربطت بين الحوادث الكارثية المؤسفة التي تعرضت لها مصر في الأيام الماضية وبين الاحتفال العالمي الذي تنظمه القاهرة في الثالث من إبريل المقبل لنقل 22 مومياء ملكية من المتحف المصري بميدان التحرير إلى متحف الحضارة بالفسطاط. وحوّل رواد التواصل الاجتماعي الأمر إلى أحاديث أقرب إلى السخرية مرجعين سبب تلك الحوادث إلى لعنة الفراعنة. وبعيدا عن كون ما يحدث من كوارث ووفيات وإصابات قد تعود إلى الطبيعة الغاضبة في حالة جنوح السفينة، وإلى الإهمال والتراخي والفساد المتوارث من عقود سابقة في الحوادث الأخرى دون أن تصلها بعدُ حركة الإصلاح والتطوير التي تقودها الحكومة على نطاق واسع.. بعيدا عن هذا الجدل، فإن النقاش الجاد حول ماهية لعنة الفراعنة وخلفيتها جدير بالاهتمام والتوضيح أيضا بمناسبة تداول هذه الأقاويل لعل وعسى يكون مساهمة متواضعة في تنظيف العقول من الخرافات!
تعود قصة لعنة الفراعنة بالتحديد إلى العام 1922 عند اكتشاف مقبرة توت عنخ أمون، وهو فرعون من الأسرة الثامنة عشر ذائعة الصيت وكان أول ملوكها أحمس الذي انتصر على الهكسوس وطردهم من مصر بعد احتلال دام 150 عاما. وقد أذهل كشف مقبرة توت عنخ أمون من قبل هوارد كارتر العالم. وفي غضون أشهر من افتتاح تابوت الملك الصبي توفي ستة علماء آثار، بالإضافة إلى اللورد كارنارفون راعي ومموّل تلك الحملة. وأصبحت وفاتهم لغزا يُعرف باسم لعنة الفراعنة بعد أن زعمت التقارير في ذلك الوقت أن الموت جاء عقابا لهم لأنّ القبر محفور عليه عبارة تتوعد من يدخله بأن "الموت سيأتي على أجنحة سريعة لمن يزعج سلام الملك". ولم يتوقف العالم عند العشرات الذين دخلوا المقبرة ولم يصابوا بأذى، لكن ظلت لعنة الفراعنة منذ ذلك الوقت تثير اهتمام علماء المصريّات والجمهور على حد السواء، وتحتل أخبارها الصفحة الأولى في صحف العالم، بل ومايزال السؤال دائرا حتى الآن عمّا إذا كانت "اللعنة" حقيقية أم مجرد خرافات وأوهام.
وتنتفض "الميديا" الغربية كل حين وتثير نفس الادعاءات من جديد عن قصة اللعنة الغريبة وكان آخرها عام 2005 عند إجراء الأشعة المقطعية على مومياء توت عنخ آمون حيث توقف الجهاز فجأة وكان ذلك بحضور عالم المصريات الدكتور زاهي حواس الذي أصر على رفض أي ادعاءات من هذا القبيل، موضحا أنه "إذا حبست مومياء في غرفة لمدة 3000 عام، ثم فتحتها، فعليك أن تضع في اعتبارك أن الجراثيم غير المرئية من المحتمل أن تنمو في هذه البيئة مما قد يؤثر على علماء الآثار المعاصرين وقد يؤدي إلى موتهم".
وهذا هو التفسير العلمي الوحيد الذي يرجحه غالبية العلماء. ويضيف البعض احتمالا بأن تكون هناك فطريات قاتلة وُضِعت عمدًا من قدماء المصريين بهدف معاقبة سارقي القبور. وتنطلق تلك الفطريات في الهواء عندما تُفتح المقابر. وينحاز العالم آرثر كونان دويل لهذه الفكرة عند تفسير وفاة عدد من الأشخاص من بين الذين دخلوا مقابر ملوك الفراعنة عند اكتشافها، ومن بينهم اللورد كارنارفون، الداعم المالي لفريق التنقيب وقد كان حاضرا أثناء فتح القبر وتوفي بعد أن لدغته بعوضة وأدت إلى إصابته بالعدوى.
ويوضح التفسير العلمي أن المواد العضوية المتحللة في المقبرة يمكن أن تدخل الجروح المفتوحة وتنشر العدوى. ومع ذلك، فإن الفطريات السامّة الموجودة بتركيز في المقابر عادة ما تسبب أمراضا خطيرة للأشخاص ذوي المناعة الضعيفة فقط. وأظهرت عينات الهواء المأخوذة من داخل فتحات التابوت مستويات عالية من الفورمالدهيد والأمونيا وكبريتيد الهيدروجين، وهذه الغازات كلها سامّة وذات تركيز عالي بحيث أنها قادرة على قتل الشخص عند استنشاقها.
والحقيقة الواضحة من اهتمام وسائل الإعلام العالمية والكتب والمقالات الكثيرة جدا بالفراعنة لا تلتفت كثيرا إلى قصة مثل "اللعنة" قد تكون من قبيل الإثارة وإنما مدى انبهار العالم بهذه الحضارة على امتداد الحقب المختلفة بل ومازال مفتونا بأسرارها مع كشف المزيد من تلك الأسرار كل يوم وما تظهره من تقدم في العلوم والمعارف أضاءت بها الكون وسبقت الحضارات المتزامنة معها بأميال ضوئية.
ولعل الاحتفالية بموكب نقل المومياوات تساهم في تحفيز الضمير الجمعي على الاستلهام من تفوق الأجداد لشحذ عزيمة الأحفاد في لحظة تاريخية شديدة الأهمية تسعى فيها الحضارة المصرية للنهوض من سباتها واستعادة أمجادها لتتبوأ المكانة التي تستحقها وتليق بها وبتاريخها وحاضرها وتكون بحق "بركة الفراعنة"، تطوي عصر اللعنات وتداعياتها!
olfa@aucegypt.edu