الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تحويل القبلة تطييب لخاطر النبي ﷺ

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مكث النبي صلى الله عليه وسلم، والمسلمون معه يتوجهون في صلاتهم إلى المسجد الأقصى قرابة ستة عشر شهرًا، أو سبعة عشر شهرًا، على أصح الأقوال، ثم حوَّل الله عزَّ وجلَّ قبلة المسلمين شطر المسجد الحرام، تكريم لنبيه صلى الله عليه وسلم، وتطييب لخاطره، وتحقيق لأمنية تاقت إليها نفسه بعد أن اشتد حنينه إلى مكة المكرمة، فاستجاب الله وأنزل الوحي موافقًا لهواه قال تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة : ١٤٤]، فكان نبي الله صلى الله عليه وسلم يُصلّي نحو بيتَ المقدس، ثم يقلّب وجهه في السماء، يهوى وَيشتهي القبلةَ نحو الكعبة، يحبّ أن يصرفه الله إلى البيت الحرام، فوجَّهه الله جل ثناؤه لقبلة كان يهواها وَيشتهيها، وروى البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه، أن رسول الله صلي الله عليه وسلم، «صلَّى قِبلَ بيت المقدس ستة عشر شهرًا، أو سبعة عشر شهرًا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبلَ البيت، وأنه صلَّى أول صلاةٍ صلاها صلاة العصر، وصلَّى معه قوم»، فخرج رجل ممن صلَّى معه فمَرَّ على أهل مسجدٍ وهم راكعون، فقال: أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبلَ مكة فداروا كما هم قِبلَ البيت، وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يُصلِّي قِبلَ بيت المقدس، وأَهل الكتاب، فلما ولَّى وجهه قِبلَ البيت، أنكروا ذلك.
حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يصلى بمسجد يقال له مسجد بني سلمة، وبعد أن أتم ركعتين نزل عليه الوحي بالتحول إلى الكعبة المشرفة، وكانت يومئذ أربع ركعات منها ثنتان إِلى بيت المقدس وثنتان إِلى الكعبة، ومنذ ذلك الحين عرف المسجد باسم «مسجد القبلتين» لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فيه شطر صلاته قبل المسجد الأقصى والشطر الآخر قبل المسجد الحرام.
لقد شرف الله الأمة الإسلامية بالصلاة إلى القبلتين، وكرمها بإرث المسجدين؛ فكانت حادثة تحويل قبلة الصلاة من المسجد الأقصى إلى البيت الحرام بمكة حدثًا فارقًا في تاريخ المسلمين، ونقطةَ تحوُّلٍ في مسار الأمة الإسلاميَّة، فكان بمثابة تمحيصٍ واختبارٍ لكافَّة الأطياف في المجتمع، وكان للمؤمنين إيمانًا صادقًا وهدًي ونورًا؛ فحينما تلقوا أمر الله تعالى بالتحوُّل إلى البيت الحرام سارعوا إلى امتثال الأمر، ولم تكن حادثة تحويل القبلة بالأمر الهيّن فقد أحدثت بلبلة في أوساط مجتمع المدينة، بفعل التحرك اليهودي الذي استغل الحادث لإثارة جملة من التساؤلات حول هذا الانتقال المفاجئ والتحول الخطير، الذي لم يكن اليهود يحسبون له حسابا، فقالوا لبعض المسلمين : إن كان التوجه فيما مضى إلى بيت المقدس باطلاً فقد ضاعت صلاتكم طوال هذه الفترة؛ وإن كانت حقًّا فالتوجه الجديد إلى المسجد الحرام باطل، وصلاتكم إليه كلها ضائعة، فنزلت آيات الوحي ترد عليهم وتدحض شبهتهم في أمر القبلة، مع التحذير من اليهود، وكشف دسائسهم، حيث يقول الله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [ البقرة : ١٤٢]، وكان تحويل القبلة إلى مكة تمهيدًا لتحريرها في فتح مكة، مما أسهم في نشر الإسلام ووصول نوره إلى العالم أجمع .. أسأل الله أن يعجل بتحرير أولى القبلتين المسجد الأقصى، وأن يحفظ بيته الحرام، وكل عام وأنتم بخير.