الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

ضوء كاشف يفضح غباء كل شيء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
.. ولأنه حيثما ذهب كان يثير التنازع، ليس لأنه مثالي، ولكن لأنه كان أشبه بضوء كاشف يفضح غباء وعقم كل شيء. ثم إنه لم يكن منافقا جيدًا، وهذه ميزته دون أدنى شك.
اسمح لي يا ميلر أن أقول عن صديق طفولتي ما قلته أنت عن نفسك، فهو يشبهك إلى حد ما، فقد أثار التنازع للدرجة التي أجبرت عائلته على أن تخفيه على بعد ستة أمتار من سطح الأرض وتضع فوقه سقفا إسمنتيًا.
كما أنه لم يكن مُنافقًا بما يكفي العم سام لكي لا يطرده خارج أراضيه أكثر من ثلاثين عامًا، وليظل هذا المعدم الحزين مُراقَبًا، لمجرد أنه فضح بركلة من قدمه في "المهاجر" ما ينتهجه جنود العم سام بحق المهاجرين، لم يتخلى المهرج عن صمته، اكتفى بنظرة من عينيه اللامعتين، ليثبت للمخدوعين أن الديكتاتوريين يحررون أنفسهم، ولكنهم يستعبدون الناس.
لم يلتفت شارلي إلى مراقبيه والمتلهفين إلى إدانته، وقرر كما قرر بودلير من قبل: "آن الأوان لاتخاذ نشوتي الدائمة من عذابي اليومي، أعني العمل".
فشل بوذا في الوصول من بلاده البعيدة إلى شابلن ليُخبره أن "الإنسان يستمد سعادته من باطن نفسه دون اكتراث للعوامل الخارجية التي تفرض عليه فرضًا"، لذا لم يستطع هذا البائس أن يتخطى فِقد "هانا" التي عرضت نفسها للمهازل والعار والسجن من أجل ابنها شارلي، ولكي لا ينساها العالم خلدها في مذكراته "إن الاضمحلال العقلي الذي أصاب والدتي ناتج عن سوء التغذية، لأنها حرمت نفسها الكثير من المواد الغذائية من أجل إطعام أطفالها".
عرف شارلي قسوة الملاجئ، وانحنى بما يفيض عن الحاجة ليمسح أحذية المارة في شوارع لندن الكئيبة، وذاق وجع القلب، ووقف وحيدًا ومشردًا وجائعًا، ليقول بمرارة كما قال "ريتسوس": "هكذا تلف كل شيء/ حتى الشيء الذي أدهشنا يومًا/ هو الآن مبتذل وبائخ/ ليست الأشياء وحدها تبهت/ وإنما عيوننا تبهت أيضا".
المسافة من ملاجئ لندن إلى بلاد العم سام أرهقت "المهاجر"، ولأنه كما قال ميلان كونديرا الحب قد يولد من استعارة واحدة، فقد وقع في غرام "ميلدرد هاريس" ليُقرر أن يتزوجها وسط غضب أمريكي سخيف، بدعوى أن الفتاة ما زالت صغيرة على الزواج من المهرج الشاب.
ولأن التعاسة كتبت على جبين هذا المضحك الكبير، فقد انفصل عن "ميلدرد" والأمر نفسه تكرر مع " ليليتا" و"بوليتجودارد" و"جوان باري" التي سببت له فضيحة عانى منها كثيرًا، ليتأكد في النهاية من صحة ما قاله شارلز بوكوفسكي:" إن العديد من الرجال الطيبين وضعوا تحت الجسر على يد امرأة".