الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

العاصمة السياسية والعاصمة الاقتصادية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مع قرب افتتاح العاصمة الإدارية وانتقال مقار الوزارات والبرلمان والسفارات اليها، تصبح لمصر عاصمة سياسية جديدة، أو كما أسماها الرئيس "الجمهورية الثانية " لمصر. ويبقي السؤال عن مستقبل القاهرة، العاصمة الحالية ذات التاريخ الطويل (أكثر من ألف سنة) والجامعات العريقة وسحر النيل وجمال التراث، وفوق كل هذا وضع أهل القاهرة "أولاد البلد" حملة عبق التاريخ وأصحاب أصالة وعادات وتقاليد المصريين.
القاهرة أو "مصر" كما كنا ومازلنا نطلق عليها، هي عاصمة مصر السياسية والاقتصادية منذ أكثر من ألف سنة. وكانت العاصمة "القاهرة" هي مركز الأحداث ليس فقط في مصر ولكن أيضا في المنطقة العربية والأحداث العالمية منذ الفتح الإسلامي لمصر على يد عمرو بن العاص في عهد الخليفة عمر بن الخطاب سنة ٦٤١ ميلادية، واختياره لعاصمة جديدة هي الفسطاط بدلا من الإسكندرية، وانشاء أول مسجد في افريقيا (مسجد عمرو بن العاص). القاهرة التي أنشأها القائد الفاطمي جوهر الصقلي سنة ٩٦٩ ميلادية شمالي مدينة الفسطاط. ثم حولها الخليفة المعز لدين الله الفاطمي سنة ٩٧٢ ميلادية، الي عاصمة للدولة الفاطميه وسماها "القاهرة". وتم تأسيس الجامع الأزهر، أقدم جامعة دينية اسلامية سنة ٩٧٠ ميلادية. وأنشأ الفاطميون سورا حول العاصمة من الطوب اللبن وجعلوا له أبوابا في جهاته المختلفة من أشهرها باب زويلة وباب النصر وباب الفتوح. وبعد سقوط الدولة الفاطمية، قامت القاهرة بدورها الرائد في التصدي للحملات الصليبية وهجمات المغول. وخلال الدولة العثمانية والأسرة العلوية حتى قيام ثورة يوليو ١٩٥٢، كانت القاهرة هي قلب العروبة ومركز صنع القرار السياسي في الشرق الأوسط.
وفي العصر الحديث والمعاصر اتسعت القاهرة وكونت مع محافظتي الجيزة والقليوبية مايسمى بالقاهرة الكبرى التي يسكنها حاليًا أكثر من ٢٠ مليون نسمة. وبسبب الزيادة المطردة في اعداد السكان والنزوح الدائم من كل الأقاليم المصرية إلى القاهرة الكبرى، أصبحت العاصمة أكبر تجمع سكاني حضري في منطقتي أفريقيا والشرق الأوسط، وصاحب ذلك مشاكل وازمات في معظم الخدمات، خاصة في الطرق والمرور، وظهرت العشوائيات، وانتشرت اكوام القمامة، لدرجة جعلت العاصمة المكتظة بسكانها من أكثر مدن العالم تلوثا وأقلها من حيث كفاءة النقل وجودة الخدمات.
وبالرغم من كل محاولات الحكومات السابقة لحل مشاكل القاهرة الكبرى، والتهامها لمعظم ميزانية الخدمات المخصصة لكل اقاليم الجمهورية، إلا أن مشاكل العاصمة أصبحت عبئاً لايمكن تحمله، وخطراً على سلامة وصحة سكانيها مما استدعى التفكير في إنشاء عاصمة جديدة. الفكرة في إنشاء عاصمة جديدة، والتي تبناها الرئيس عبد الفتاح السيسي، صاحبها أيضا إقامة مدن جديدة في عدد من المحافظات لتخفيف الضغط المتزايد على عواصم المحافظات في كل ربوع مصر. فكرة انشاء عواصم جديدة قامت بها بلدان عديدة منها اندونيسيا ونيجيريا والبرازيل والهند وباكستان وروسيا واستراليا وبوليفيا. وحتي الولايات المتحدة الأمريكية قامت بتغيير عاصمتها من مدينة نيويورك الي مدينة واشنطن دى سي في مطلع القرن التاسع عشر.
وتجربة الولايات المتحدة الأمريكية في جعل عاصمة سياسية هي واشنطن دي سي، وأخرى اقتصادية هي نيويورك من الممكن أن تكون مناسبة جدا لمصر. فيمكن أن تبقى القاهرة هي عاصمة المال والأعمال مثل مدينة نيويورك، وأن تصبح العاصمة الإدارية هي العاصمة السياسية التي تحتضن مقرات الرئاسة ورئاسة الوزارة والوزارات والبرلمان والسفارات مع عدد من الجامعات العالمية. وان تبقي القاهرة هي العاصمة الاقتصادية والثقافية، ولذا أتمنى أن تبقي البنوك والشركات الكبرى ومراكز التجارة والمال، وكذلك أتمنى أن تستمر المتاحف ودار الأوبرا والمسارح في القاهرة. كما أتمنى أن يبقى بها مقر جامعة الدول العربية وسوق الأوراق المالية (البورصة) وأن يستمر تطوير وتحديث تراث وآثار القاهرة الإسلامية والخديوية كما وعد بذلك الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء في لقائه الأخير مع أهل القاهرة التاريخية.