الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

السردية النسوية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تاريخهن لم يُكتب بعد، ما زال المسرود المؤرخ لمفاعيل النساء يعاني نقصًا في ذخيرته المرجعية كحق، للمعرفة العامة، وللدراسة والبحث، وتعليل هذا النقص ليس فقط، ثقل الثقافة التقليدية المحافظة، وهيمنة المؤرخ الرجل الكاتب، بل فيه أيضًا ما مرده ضعف عناية والتفات النساء لفعل الكتابة عن الذات (السيرة)، وعن (القضية) الموضوع الذي ينشغلن به في مسيرة حياتهن، ويناضلن فيه؛ ما يجعل من المجتمع على وعي بمبررات تحقيق استحقاق التمكين وتكافؤ الفرص، ولعل انتهاج مقترح عربي تنادي به نساء اليوم، لمشروع راصد مُوثَّق، ونحن نعبر هذا الحدث المغاير في تاريخنا السياسي، بطرح السؤال عن مفاعيلهن في لحظة تاريخية مفارقة، منذ لحظة خروجهن في ميادين الثورات: تونس، مصر، ليبيا، اليمن، البحرين، السودان، الجزائر، العراق، لبنان، وحتى فعل استبعادهن، بل وتهديدهن من تيارات متطرفة استخدمت العنف إزائهن، وقد برزن وظلت وما زالت مواقفهن ومطالبهن التي دفعن من أرواحهن، دماء، وهجرة ونزوح، ولجوء، على ذلك، تأتي أهمية الكتابة السيروية - الحوارية لرصد وتوثيق اللحظة ومعقباتها، لكي نبحث وندرس، تتحقق للتاريخ مادة "سردية نسوية" لهن الفاعلات في الميادين، ومنها أمكنة الخطر، وسط الناس في عواصم ومدن أطراف، لحظة لم يكُن المُنظرات فوق المنابر! بل المُشكِلاَت ما بحاجة لنظر، المسرودية النسوية دون محظورات، وبعيدًا عن مختنقات القهر والحجب والإقصاء، أن تحضر الأنا الحرة مزيحة الأنا المقموعة، وحيث شاهدنا كما لم نشاهد قبلا المرأة في منطقتنا، المقدامة بخيارها وإرادتها، وأنها في المقدمة، وكما لم نشهد رأينا عملا حثيتا لقمعهن بحجبهن وتخميرهن، بل وجعلهن كبش فداء يطاردهن ملك الموت المتطرف (داعش) عدو الحياة.

ومما أتيح من مسرودية النساء الفاعلات بعض ما وثقته لهن في حوارات متلاحقة، ولعقد مع نساء عربيات كانت لهن أدوار عافرن فيها، فيهن أول رئيسة منتخبة لحزب فلسطيني السيدة "زهيرة كمال" القيادية العتيدة في نشاطها السياسي والمدني، التي روت عقود من سيرتها، بواكير خروجها طالبة في مظاهرات بفلسطين وحين حُقق معها لأجل موقفها الوطني رفضا للأحتلال الصهيوني، ثم نشاطاتها وتفاعلها بالقاهرة أثناء دراستها، ومن منطلق إيمانها بأن النضال النسوي هو نضال سياسي، تبدي رأيها في مطالبات أخذت منحًى انتقاميا شابت انطلاق الانتفاضات، كقانون العزل السياسي، الذي ثقله فيه تكرار لوضعية وممارسة ديكتاتورية. ومن جيل لاحق الناشطة فكتوريا شكري تتحدث عن نضال المرأة الفلسطينية، وعن تحديات تواجه المرأة كشريكة في النضال، منها تعدد الوضع القانوني للمرأة، قوانين تحكم النساء في غزة غيرها في رام الله، كما مساحة الفاعلية المتاحة مع عوائق الاحتلال المجحفة للحق الفلسطيني، وفي سيطرته على الموارد، على الحدود، حيث حواجز الجدار العازل قاصمة لكل مبادرات نساء الداخل الفلسطيني.ومن السودان قابلت الناشطة المدنية منال عبد العظيم، التي وضحت وضعية المرأة السودانية رغم حراكها المبكر سياسيا في النشاط الحزبي، لكن الحروب المتلاحقة وفصل الشمال عن الجنوب، مع خذلان دستور 2005 رغم وثيقة الحقوق به، لتطلع النساء للانتخابات، بتحديد الكوتا ب 25% أدى إلى تقليص فرص النساء وغالب الحزب الحاكم وقدم تشكيلته ما مثل وقتها هيمنة سلطوية متواصلة لواقع العمل السياسي. ومن المغرب حاورتُ السجينة السياسية فاطمة البويه، مبرزة سيرتها في العمل السياسي مذ كانت طالبة في السبعينيات، ثم انخراطها بالعمل النقابي، وكان اعتقالها الاول عام 1974، وتعرض بالحوار خطوطا عريضة لكتاب سيرتها "حديث العتمة" الذي صدر بالفرنسية بعنوان: امرأة اسمها رشيد"، ومن سوريا من سجلت سرديتهن، جاءت فيها أصواتهن متباينة في آرائهن ومواقفهن من الثورات، انبثاقها ومآلاتها،  لكنهن اجتمعن أمل نصر، غيداء العودات، منى الغانم، رانيا قدورة، على عنوان: أن أصحاب السلاح لن يجلبوا لسوريا دولة، ومن مصر التي شهدت نقلة في التمكين السياسي لنائبات برلمان، ووزيرات بالحكومة، جالست المدربة المختصة عربيا والمعتمدة دوليا في مجال الأمن والسلامة للصحفيين في مناطق النزاع والتوتر، الكاتبة الصحفية عبير السعدي عضوة مجلس إدارة الاتحاد الدولي للصحفيات، التي كانت على الأرض تُراسل وسط مواقع الخطر، وكتبت من العراق وليبيا وتونس واليمن وتايلاند، وعن رأيها الذي ينبض من واقع تجاربها حيث العنف، بل قد يكون رد فعل الضحية تجاه جلادها! المجتمعات في المراحل الانتقالية تظهر قبحها. 

ومن الأردن تجيء سردية المسرحية أسماء مصطفى وأعمالها التي تطرح سؤال المرأة وشواغلها وتابوات ظلت كجدار يسد بوجهها في إعلان ذاتها الفاعلة بما تريد، أسماء كاتبة وممثلة ومخرجة حصدت جوائز ببلدها وخارجه، تروي مسيرتها وعوائق عمل المرأة بالمسرح في أوطاننا العربية. ومن جيل جديد استمعت للشابة الصحفية ومراسلة القناة الاخبارية التونسية نورا مجذوب، والتي عاشت طفولة مفارقة كشاعرة وكاتبة لها مشروع " الصحفي الصغير"، وانشغلت بالمدن الأطراف مبرزة عبر وثائقيات كتبت سيناريوتها وصورتها كما وقرأت تعليقها، وقد حصدت الجائزة الأولى لصندوق الأمم المتحدة للسكان والتنمية، ومن ليبيا وثقتُ للسيدة فاطمة التايب أول سجينة سياسية (1984-1988) تُعاقب لانتمائها الحزبي في ظل سلطة تقنن عقوبة الإعدام لكل من يدعو لإقامة حزب!ثم منعها من إكمال دراستها والعمل والسفر. مسروديات النساء جهد توثيقي يجب أن تضطلع به مؤسسات عامة وخاصة، فالتاريخ يشغله ويصنعه، بمفاعيلهما مكونًا المجتمع الرجل والمرأة، والاكتفاء بسردية طرف لوحده دون مقاسمة وموازة رديفه، يجعله تاريخا بعين، أو ساق واحدة فقط !