يبدو الجمال هذه المرة مختلفا، فحتى لو كانت عيناها ملونتين، والشعر أشقر، فان مايجذب الانتباه هنا هو مهارة التحكم في ايقاع الجسد، فهي راقصة يتطلع الناس إلى أسلوبها في الرقص، ومهارتها في الحركة عبر المكان، التلوي بما تمتلك من جسد، وعليه فإن سامية جمال كانت مصرية الملامح، سمراء البشرة، واستطاعت أن تحافظ على رشاقتها وقوامها طوال سنوات حياتها، وهي التي عاشت قرابة السبعين، كما أنها استطاعت أن تصير من جميلات الرقص لأطول فترة ممكنة في الوقت الذي أصابت فيه البدانة الكثيرات غيرها.
أنها البساطة والرشاقة والخفة والمرونة والرومانسية، تشد انتباه الرجل بلا أي اثارة، وما أجمل قصص الحب في حياتها.
ولدت زينب خليل إبراهيم محفوظ، وهو اسمها الحقيقي، في قرية "ونا العش" مركز الواسطى بني سويف، تباينت تواريخ ميلادها بين المصادر المتعددة، لذا فإن هناك تواريخ أخرى حسب التسنين، حيث قيل إن ميلادها في السابع والعشرين من مايو 1924، بعد ميلادها بقليل، تزوج أبوها من امرأة أخرى، إلى جانب زوجته التي أصابها المرض، فعاشتا الضرتان في منزل واحد في حي الأزهر، حيث جاء الأب بأسرته للإقامة في القاهرة، وأنجبت زوجة الأب طفلة، وطفلًا، وماتت أم زينب عام 1932، فعاشت الصغيرة حياة قاسية على يدي زوجة الأب، التي سعت لحرمانها من التعليم، ما كان يدفع بزينب للذهاب إلى دور السينما لمشاهدة الأفلام، وبدأت تشعر بالرغبة في تقليد النجوم، وذهبت لتعيش في بيت أختها التي تزوجت، آمله في حياة أفضل، إلا أن الحياة كانت معها أشد قسوة.
هربت زينب من بيت أختها، وعاشت في بيت إحدى صديقاتها لعدة أيام، والتقت برجل يدعى جمال قام بمصاحبتها إلى بديعة مصابني في الكازينو الذي كانت تمتلكه وتديره، فلفتت أنظارها فضمتها إلى فرقتها، وتغير اسمها إلى سامية جمال، حيث قررت أن تحمل اسم الرجل الذي فتح أمامها الطريق.
عملت في كازينو بديعة ككومبارس في فرقة الرقص وامتهنت هذه المهنة، وكانت من زميلاتها في الفرقة، تحية كاريوكا، ببا عز الدين، وحورية محمد، وهاجر حمدي، أتيحت لها فرصة الظهور السينمائي لأول مرة بشكل عابر في "يوم سعيد" لمحمد كريم 1940 وهو من بطولة محمد عبد الوهاب والتقت في كازينو بديعة بالمطرب فريد الأطرش، وارتبطت معه بقصة حب، وعملت معه كومبارس في فيلمه الأول "انتصار الشباب" 1942، وشاركت في فيلم "ممنوع الحب" لمحمد كريم، ثم تركت فرقة بديعة مصابني، لتعمل راقصة في فرقة "الدولز" براتب شهري قدره خمسة عشر جنيهًا.
وفي عام 1943، بدأت أدوارها السينمائية تتسع، خاصة في فيلم "من فات قديمه" لفريد الجندي، إلا أن الفيلم فشل، وشاركت في أفلام أخرى، مثل "خفايا الدنيا" لإبراهيم لاما، و"رصاصة في القلب" لمحمد كريم 1944، و"الحب الأول" لجمال مدكور 1945.
اختارها محمد عبدالوهاب لتقوم بدور البطولة المطلقة في الفيلم الذي أنتجه عام 1945 باسم "تاكسي حنطور" أمام محمد عبدالمطلب، كما ظهرت في دور الخادمة في فيلم "البني آدم" في العام نفسه، وفي العام التالي عملت في أفلام "شهر زاد" إخراج فؤاد الجزايرلي، و"أحمر شفايف "أمام نجيب الريحاني، ولعل الكثيرين يذكرون دورها هنا، لم تكن الفتاة قمر في حاجة أن تتكلم وهي توقع رجلا متزوجا مستقرا في حياته في حبائلها، وبدا جسدها وهي تقوم باغراء إبراهيم كأنها تتكلم، فهي الفتاة اللعوب التي لا تملك سوي جسدها وهكذا رأينا اغراء مختلفا تماما، إلا أن شهرتها الحقيقية جاءت حين شاركت فريد الأطرش بطولية فيلمهما الأول معًا باسم "حبيب العمر" لبركات 1947، والذي لقي نجاحًا كبيرًا، دفعهما إلى تكوين واحد من أشهر الثنائيات السينمائية في أفلام الكوميديا الموسيقية، حيث عملا في خمسة أفلام أخرى التي رغم قلة عددها، فإنها تركت أثرًا ملحوظًا في ذاكرة المتفرجين، حتى يومنا هذا، وهذه الأفلام هي "أحبك أنت" إخراج بدرخان، وعفريتة هانم" إخراج بركات 1949، ثم "آخر كدبة" إخراج أحمد بدرخان، في العام التالي، و"تعال سلم" لحلمي رفلة 1951، و"ما تقولش لحد" لبركات 1952، ثم انفصل الثنائي عقب قصة حب ملتهبة، رفض خلالها فريد الأطرش، أن يتزوج وهو الأمير الدرزى من ممثلة وراقصة، وصرحت سامية جمال في أحد لقاءاتها الصحفية الأخيرة في حياتها، أنها كانت متزوجة عرفيًا بفريد الأطرش، لذا كانت كثيرة السفر معه، وأنه اتصل بها قبل وفاته بأيام لمصالحتها.
كما أنها روت عنه الكثير في برنامج تلفزيوني يذاع على الماسبيرو زمان من وقت لآخر يعكس أن الفنان عليه أن يزين سيرته دوما بالذكريات الأجمل مهما اختلف عمن يحبه أو تزوح من غيره، باعتبار أن سامية روت هذه الذكريات بعد سنوات من نهاية قصة حبها لفريد الطرش ودخول رجال آخرين في حياتها من أبرزهم زوجها رشدي اباظة التي عاشت معه طويلا.
في هذه الأفلام الستة التي جمعتها بفريد الأطرش كانت هي الفتاة التي تمنح المطرب روح الغناء، فالغناء يحتاج إلى رقص يعبر عنه، وعليه فان سامية جمال في كل هذه الأفلام كانت ترقص لتمنح اللحن الموسيقي روحا حقيقية تبدو مفتقدة في الافلام التي يغني فيها المطرب بدون من يرقص أمامه، ولذا فان الراقصة رقصت دوما حول مطربين آخرين منهم محمد فوزي، ومحمد مرعي، وماهر العطار، وبدت كأنها الثعبان الحي الذي يخرج من جعبة الساحر الهندي على ايقاع الناي فيتلوي، ويبدو شديد المهارة، كما أنه يتغير في أعين الناس، ومن حسن الحظ فان الأفلام الستة كانت تنتمي إلى الكوميديا، والمواقف الخفيفة، هي دائما حبيبة المطرب، أو زوجته، تشعر نحوه بالغيرة الشديدة من نساء آخريات بالغات الجمال، فهي توتة حبيبة عمر المطرب ممدوح الباحث عن فرصة لاثبات ذاته، ويرفض أن تعمل حبيبته توته راقصة فتختفي من حياته ثم تعود لتصنع له النجاح، وفي أحد هذه الأفلام هي عفريتة المصباح التي تلبي له كافة طلباته الفنية، وهكذا خرجت من أدوار البؤس التي جسدتها في أفلام أخري ومنها "أمير الانتقام" لبركات، وفي الأفلام العديدة التي أخرجها عز الدين ذو الفقار، وهي أفلام بوليسية مليئة بالمطارادت والمغامرات.
بعيدًا عن فريد الأطرش، نجحت سامية جمال في أدوارها السينماائية العديدة مع مخرجين من طراز صلاح أبو سيف في "الصقر" 1949، ومع بركات في "أمير الانتقام" لبركات 1950، ومع عز الدين ذو الفقار في "قطار الليل" 1953، و"رقصة الوداع" 1954، ثم "الرجل الثاني" 1959، وهي أفلام تعتبر علامات بارزة في الفيلم البوليسي، ففي هذه الأفلام هناك عصابات بالغة الشراسة تتقاتل فيما بينها مثلما حدث في فيلم "قطار الليل"، وهي هنا دوما راقصة في صالة، يقع شاب شهم في حبها، ويحاول أنقاذها من بين رجال العصابات، وتحاول حماية أبيها المريض، بينما الشرطة تحاول التدخل عند اللزوم، وهكذا فان الرقص هو مهنتها، وهو سر قيمتها، وهو مفتاح جمالها، والجدير بالذكر أنها لم تكن بالراقصة المثيرة أو المبتذلة، وكانت تجيد الحركة في الصالة التي ترقص فيها، ولم تؤد في أي من هذه الأفلام دور بنت الليل التي توقع الشرفاء من الرجال مثلما حدث مع راقصات أخريات، وأشهرهن تحية كاريوكا
عرفت باسم الراقصة الحافية، حيث اعتادت منذ فيلمها الأول أن ترقص عارية القدمين، وعندما فعلت ذلك في أحد المهرجانات الأوروبية، أطلقت عليها الصحف اسم "حافية القدمين"، وقيل إن الملك فاروق كان حاضرًا وأنه بارك رقصها، وعلى إثر ذلك دعيت سامية جمال إلى أكثر من مهرجان، إلى أن التقت بالشاب الأمريكي شبرد كنج وتزوجته، وعاشت معه في الولايات المتحدة، عقب أن أشهر إسلامه، إلا أنها لم تحب الحياة بعيدًا عن الأضواء، فعادت إلى مصر، وقد تضاربت الأقاويل حول نشاطها الفني أثناء هذه الفترة، فقيل أنها رقصت في أربع وعشرين ولاية، إلا أن الحقيقة أن عبدالله كنج لم يكن أكثر من متشرد يبحث عن مغامرة.
في مصر قامت ببطولة العديد من الأفلام، فعادت للعمل مع صلاح أبو سيف في "الوحش" 1954، كخليلة لرجل عصابات في أقاصي الصعيد تحفظ له سره وتساعده في الوقوف ضد رجال الحكومة خاصة ضابط الشرطة المكلف بالقبض على خط الصعيد، ثم عملت مع نيازي مصطفى في "سيجارة وكأس" 1955، ومن أفلامها الأخرى المهمة "زنوبة" لحسن الصيفي 1956، وفي هذا الفيلم دفعها زعيم عصابة إلى أن تخدع شابا وأن تجعله يتوهم أنه يحبها ولم تلبث أن وقعت في غرامه، فراحت تحذره وتساعده، والغريب أنها أعادت تجسيد هذا الدور بعد عشر سنوات في فيلم "ابن الحتة" للمخرج نفسه، ومن أفلامها الأخرى "غرام المليونير" 1957، و"موعد مع المجهول" وكلاهما لعاطف سالم 1959، وفي هذا الفيلم مثلا جسدت دور شرطية سرية تساعد أسرة ثرية في الكشف عن قاتل ابنها، كما رقصت في الفيلم الإسباني المصري "غرام في الصحراء" في العام نفسه من إخراج كل من ليون كليموفسكي وفرنتشيو، وقد جسدت في أغلب هذه الأفلام دور البنت الشعبية المغلوبة على أمرها التي تحاول أن تتمرد على طبقتها الاجتماعية، فتصطدم بالعوائق الاجتماعية مثلما حدث في "زنوبة"، و"حبيبي الأسمر" لحسن الصيفي 1957، وكما ستفعل فيما بعد في "ابن الحتة" لحسن الصيفي 1964، مما يعني أن السينما حبستها في أدوار محدودة لم تكن مختبرًا جيدًا بالنسبة لها.
لعل أبرز أدوارها هنا هو سميرة ابنة الحي الشعبي في "حبيبي الأسمر" التي تحب أحمد جارها العجلاتي لكنها في الوقت نفسه تتمني لوصارت راقصة مثل جارتها زكية، التي تاخذها معها في احدي الأمسيات إلى الكباريه، ويقوم صاحب الصالة بالقاء شباكه عليها ويغريها بالمال، ويتزوجها رغما عن إرادة أبيها، وحبيبها، وهناك مشهد تخيلي يجمع بين سامية جمال وهي ترقص أمام تحية كاريوكا التي بدت كأنها تزحف إلى البدانة، وتتقدم في السن، وكانت الجولة لصالح سامية جمال التي لم ترقص هنا كثيرا رغم أنها تتوق إلى ذلك، وقد تحولت إلى مهربة ماس دون أن تدري، وعادت مرة أخرى إلى العجلاتي بعد أن ندمت على ما فعلت.
عام 1959 التقت بالفنان رشدي أباظة، وقامت أمامه ببطولة فيلم "الرجل الثاني" إخراج عز الدين ذو الفقار، ونشأت بينهما قصة حب توجت بالزواج عام 1964 بعد أن انفصل عن زوجته الأمريكية والدة ابنته قسمت، وفي الفيلم جسدت دور راقصة أنجبت من صاحب الصالة، هو أيضا عضو بارز في عصابة لتهريب الأموال لم يعترف قط أنه والد ابنتها التي تموت بين يديها، إلا أن أفلامها التالية لم تكن بالقوة نفسها، وبدأت تتفرغ لحياتها الزوجية.
من أفلامها في هذه الفترة "سكر هانم" للسيد بدير، و"أبو الليل" لحسام الدين مصطفى عام 1960 في دور مشابه تمامًا لدورها في فيلم "الوحش" فهي الراقصة الشعبية التي تعمل في الموالد عشيقة رجل مزدوج الوجه، يطارد الأبرياء ليلا في الريف، ويضج مضاجع رجال الشرطة ويخطف أبنائهم، وهكذا انتقلت سامية جمال بين الأدوار، بين الكوميدي الاجتماعي في "سكر هانم" فهي ابنة الرجل المتشدد، التي تذهب إلى شقة جارها للاحتماء بعمته سكر هانم القادمة من أمريكا اللاتينية دون أن تعرف أن هذه العمة مزيفة، وهكذا جاءت لتمثل دور البنت المصرية التي تعيش في البيئات الشعبية، تجسد دور بنت الحارة الطموحة للصعود الاجتماعي من خلال حبها للفن، وذلك على خطي زميلتها تحية كاريكا التي بدت كأنها لا تنافسها بقدر ما هي تكمل اللوحة معها زخلافا لأدوار البنات الشقروات ذوات الأصول غير المصرية.
الغريب أن أفلامها في هذه الفترة لم تلق نجاحات ملحوظة، رغم أنها كانت تعمل أمام كبار النجوم، ومنهم فيلم "النغم الحزين" إخراج حسن الصيفي 1960 أمام ماهر العطار، وفيلم "طريق الشيطان" إخراج كمال عطية 1963، أمام كل من رشدي أباظة، وفريد شوقي، وشويكار، وفيه توقفت عن الرقص، وقامت بدور فتاة في حي شعبي تقرر أن تعيش حياة مستقرة مع زوجها التائب عن الجريمة، هذا الرجل لا يلبث أن ينركها إلى فتاة أخرى تصغرها بسنوات.
ثم قامت بدور قصير في "زقاق المدق" إخراج حسن الإمام 1963، وهو أيضا دور راقصة في الصالات غرر بها رجل، ودفعها إلى هذا الطريق بادعاء أنه يحبها، وفي 1964 عملت لأول مرة في دور مساعد في فيلم "ابن الحتة" كي تبتعد تماما عن العمل وتتفرغ لحياتها الزوجية، وقد عادت سامية جمال 1972 لتعمل أمام زوجها في دورين صغيرين هما "ساعة الصفر" إخراج حسين حلمي المهندس، و"الشيطان والخريف" لأنور الشناوي، وهما من الأفلام البولسية الاجتماعية كي تعتزل الحياة الفنية تمامًا.
عرفت سامية جمال بجمالها الشرقي في أوروبا عقب قيامها بدور الجارية الراقصة مرجانة في الفيلم الفرنسي " على بابا والأربعين حرامي" إخراج جاك بيكر 1954، أمام الممثل الكوميدي فرناندل، وقد بدت سامية جمال في أحسن حالاتها كراقصة شرقية، وهي تظهر في أول افلامها الملونة وتقوم بدور الجارية التي تساند سيدها على بابا وتساعده في القبض على عصابة الأربعين حرامي،والغريب أن كاميرا مصور الفيلم الفرنسي قد منحتها جمالا مضاعفا، وأحبها المشاهد الفرنسي الذي راح يبحث عن افلامها الأخري خاصة مجموعة أفلامها مع فريد الأطرش، وهي تعرض حتى الآن في شاشات التلفزيزن الفرنسي.
تولت رعاية قسمت ابنة رشدي أباظة، إبان زواجها وعاش الاثنان حياة سعيدة، لم يعكرها سوى إدمانه للشرب الذي كان سبب الانفصال.
طالت فترة اعتزال سامية جمال حتى بعد طلاقها من رشدي أباظة، وقد أعادها سمير صبري للعمل معه كراقصة في أحد الفنادق الكبرى، غير أن التجربة لم تستمر طويلًا، فعادت مرة أخرى إلى العزلة، بعيدًا عن الأضواء، حتى حان رحيلها.
اتسمت الفنانة بالتلقائية، فمن المعروف عنها أنها لم تتلق أي قدر من التعليم، وكانت أمية القراءة والكتابة، مثلت دور الراقصة الشرقية، والممثلة الجيدة في الأفلام التي عملت بها، مع مخرجين لهم أهميتهم، وشكلت ظاهرة حقيقية في زمن ازدهار الكوميديا الموسيقية، حتى إذا ابتعدت عن السينما، توقفت هذه الظاهرة تمامًا، مع نهاية خمسينيات القرن العشرين، وقد تمنت دومًا أن تكون ممثلة في السينما دون أن تكون راقصة، إلا أنها عندما أتيحت لها هذه الفرصة.